لهذه الاسباب وغيرها نجح الاضراب .. شعوب تشعر بالاختناق عربياً وحكومة من الموظفين محلياً وقهر وظلم عالمياً

الاضراب الشامل من أجل غزة..لماذا نجح؟
بقلم: د. رلى الفرا الحروب
بعد خمسة وستين يوما متواصلة من المشاهد المؤلمة لمحرقة غزة وبعد الفيتو الأمريكي الرابع في مجلس الأمن والذي أعاق قرار وقف إطلاق النار رغما عن أنف دول العالم أجمع التي صوتت بواقع 13 صوتا من اصل 15 في المجلس، حيث امتنعت شريكة العدوان بريطانيا عن التصويت في حين وظفت رأس الحربة أميركا حق النقض لمواصلة العدوان، فإن شعوب العالم وصلت إلى مرحلة من التشبع والضيق والغضب بحاجة إلى متنفس.
شعوب العالم تشعر بالاختناق جراء قرارات حكومات لا تمثلها بقدر ما تمثل مصالح الصهيونية ورأس المال الاستعماري الذي بات لعنة العالم أجمع والمسؤول عن حروبه ونكباته ودماره وبيئته الخربة، وهي بحاجة لآلية تنتصر بها على تلك القرارات السياسية التي لم تحترم إرادتها، وبحاجة لاستعادة السيطرة على مصيرها في مواجهة شعورها بالعجز التام أمام الهيمنة الامريكية ومجموعة السبعة الكبار (G-7)
في هذه الظروف المأساوية التي تشعر فيها شعوب العالم بالذنب تجاه عجزها عن وقف حرب الإبادة في غزة، انطلقت دعوات عفوية للإضراب الشامل لفت العالم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وحركت هذه الدعوات الأحزاب والجمعيات والقوى الوطنية والشعبية التي سرعان ما انضمت إليها متجاوزة الأسئلة التقليدية عمن بدأ الدعوة ومن أطلقها، فالشعور بالخطر المشترك على إنسانيتنا في مواجهة آلة القتل والتدمير الإسرائيلي كان أكبر من كل المحاذير!
في يومين فقط، وبسبب الثورة المذهلة لوسائل التواصل الاجتماعي، كان الشعب الفلسطيني كله ومعه الأردني واللبناني والمصري والمغربي والجزائري والموريتاني وشعوب أخرى حول العالم قد تشبعت بالفكرة وشعرت بأن تنفيذها هو أضعف الإيمان نصرة لغزة وأهلها الذين يبادون بقرار من حكومات الغرب الاستعماري إرضاء للحركة الصهيونية ومخططاتها الأزلية القائمة على الإبادة فالتهجير فسرقة الأرض والثروات.
شعوب العالم المتعاطفة مع فلسطين كانت بحاجة إلى مشاركة أهل غزة تضحياتهم، وفي ظل امتناع الحكومات عن نصرة غزة عسكريا في مواجهة آلة الحرب الصهيونية، فقد جاء الإضراب نوعا من التضحية التي تعوض عن الشعور بالتقصير، ففي الإضراب يخسر كل منا شيئا على صعيد مادي محدود، ولكننا وعلى المستوى الجمعي نربح جميعا، وتربح إنسانيتنا وقيمنا المشتركة.

المؤسف أن الحكومة الأردنية ولأنها حكومة من الموظفين وليس السياسيين شعرت بأن في دعوات الإضراب تحديا لها، وانساقت وراء الطروحات التقليدية بأن الإضراب يضر بالاقتصاد الوطني، وبالتالي فهو لا يخدم أجندة وطنية، وفاتها أنها لطالما طلبت من الناس الجلوس في البيت لأسباب  كالعوامل الجوية أو الكورونا أو غيره، وحرضت وسائل إعلامها وأزلامها على مهاجمة الإضراب، ولكن الجميل أن الأردنيين لم يعبأوا بها ولا بتوجيهاتها ونفذوا إضرابهم في رسالة تحمل الكثير من المعاني.
على النقيض من حكومتنا جاءت استجابة الحكومة اللبنانية حكومة الساسة الحزبيين في قمة الذكاء، فقد دعت هي بذاتها الى تبني الاضراب وأعلنت تعطيل كل المؤسسات تضامنا مع غزة والجنوب اللبناني، وفي الوقت الذي كان وزير تربيتنا يطالب المدارس بالدوام، كان وزير التربية اللبناني يطالبها بالإضراب نصرة لفلسطين!
كالمعهود، حكوماتنا تعيش خارج الزمن وخارج التاريخ ولا تفهم شعبها بتاتا ولا تستشعر مزاج الشارع وتعيش في قصور عاجية أو فقاعات وردية وسعت وستوسع من حجم هوة الثقة بين الشعب والسلطات، والمطلوب أن نكسر هذه الدائرة البائسة من حكومات الموظفين وأن نتحول الى حكومات سياسية تملك رؤى وبرامج، أو على الأقل قريبة من نبض الشارع وتعرف كيف تتعامل معه.