مستشفى حكومي

فارس الحباشنة -صديق اصابته جلطة قلبية، وقد نجا منها باعجوبة وبمشيئة الله. صديقي الخمسيني شعر بالتعب والارهاق والاجهاد والتوتر تقريبا بعد صلاة المغرب، كابر قليلا على نفسه بان يقدر ان يصمد حتى الصباح، وأوهم نفسه بان ما يصيبه هي اوجاع الخريف وتقلبات الطقس.
المريض في كل بلدان العالم أسرع ما يفكر بالتوجه الى المستشفى، ولكن في الاردن الحال مختلف جدا، فالمريض اكثر ما يخاف من الذهاب الى المستشفى الحكومي والخاص، فالاول قد يموت من الاهمال والعبث وقلة الرعاية وعدم المسؤولية واللامبالاة في بعضها، اما الثاني فقد يموت من فجاعة فاتورة العلاج والكلف الجنونية لاجراء فحص او عملية جراحية في بعضها.
المهم أن صديقي كان مكبلا بالشعورين. ولكنه تحت ضغط المرض المؤلم والخوف القاتل قرر أن يذهب الى مستشفى حكومي قريب. دخل الى غرفة الطوارئ بقى لا كثر من ساعتين ينتظر قرار طبيب بادخاله الى غرفة الانعاش، والساعة بدأت تقترب من منتصف الليل، وفي الاثناء مر طبيب مناوب تعرف على المريض، واجرى فحصا طبيا سريعا للحالة، وعندها قرر على وجه السرعة إدخاله الى غرفة الانعاش لاجراء عملية جراحية لقلبه المعطوب. 
ولو مشيئة الله لكان صديقي قد بقي في صالة الانتظار، ومن فضائل الواسطة الحسنة والمحمودة في القطاع الصحي أن تعثر على طبيب تعرفه أو قرابة أو جار أو صديق في مستشفى حكومي، فلولا ظهور الطبيب فجأة لكان صديقنا من اعداد الموتى، والعزاء خلص، والاصدقاء والجيران والمعارف والاقارب أكلوا منسف على مدار ثلاثة ايام وترحموا عليه، وينتظرون الدور على من بعده.
اتحدث هنا عن الموت الصدفة بحسرة. الايمان بالاقدار لا يعني سحق الارواح واستسهال الموت العابث والرخيص. الكتابة عن الموت فجاعة ومؤلمة بكل الاحوال والاسباب والاوضاع. 
ولكن ماذا يعني أن تصاب حياتنا في إسراف بالموت الرخيص والسهل؟ لربما ان الصدفة كانت هي الاقوى! وصديقي نجا من موت ولكن ستبقى تطارده اشباح واوجاع الموت الرخيص. 
زرته قبل أيام قلبه بارد، ويقول كلاما مختلفا عن الحياة، ولم يكن صديقي يردده من قبل. هي مشاعر العيش بعمرين، الموت الاول وقد مر بعبث واستهتار، والثاني بانتظار ان يستحق موعده باحوال واوضاع تخفيها استار الزمان.