شرف كبير للجزيرة ..


حمادة فراعنة
ترتقي محطة الجزيرة القطرية، عبر شبكة مراسليها في فلسطين، وتغطيتها لمرارة الأحداث التي تجتاح قطاع غزة، الذي كان محاصراً، وازداد أهله وجعاً ونكبة بعد معركة 7 أكتوبر 2023، على أثر القصف الهمجي المقصود، والاجتياح التدميري الذي قارفته قوات المستعمرة الإسرائيلية، ومتابعة تطورات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وحيثياته من زاويتي: جرائم قوات الاحتلال وتفاصيلها، ومعاناة الشعب الفلسطيني جراء القتل وتداعياته من الجوع والحرمان لأبسط حقوق ومستلزمات الحياة، الذي يمس العائلات والأطفال منهم، مسببة أقسى كارثة وأشد ما تشهده البشرية، من آلام مقصودة تسببها حكومة المستعمرة وجيشها وأجهزتها. 
محطة الجزيرة تؤدي واجبها المهني بتفوق، وتدفع ثمن ذلك من خيرة كوادرها الشجعان، من المراسلين والمصورين والفنيين، عبر انخراطهم في مسامات العمل وضرورته، والاندفاع نحو تفاصيل الفعل من قبل طرفي الصراع، لتقديم صورة جدية حقيقية الأقرب إلى الدقة والدهشة والواقع. 
من شيرين أبو عاقلة، إلى  سامر أبو دقة الذي فقد حياته  كما زميلته  مروراً بالمراسلين وائل الدحدوح و أنس الشريف ومؤمن الشرافي، والعديد من عائلات المراسلين المستهدفين. 
إذا كان مراسلوا الجزيرة وعائلاتهم قد تعرضوا للأذى كمواطنين، فهذه إدانة قانونية وانحطاط أخلاقي لدى قوات المستعمرة، لأن المراسلين ليسوا من «المتطرفين» وليسوا من « الإرهابيين» وليسوا من «حماس» أو مؤيدين منخرطين بمهماتها وأفعالها، بل هم من المواطنين المنخرطين بعمل مهني صحفي مكشوف. 
وإذا كان استهدافهم مقتصراً لأنهم مراسلون كاشفون متابعون مهنيون، وصحفيون، يدفعون وعائلاتهم ثمن ما يفعلونه كصحفيين فهي جريمة مزدوجة حصيلتها الإدانة المطلوبة من كافة المؤسسات المعنية بحقوق الإنسان، والعقوبات الفعلية لفعل الجريمة التي تقارفها المستعمرة ومؤسساتها وقواتها، بالعزلة ودفع الثمن من قبل المجتمع الدولي وخاصة من الشعوب المتحضرة التي تدعي حكوماتها الحرص على الأمن والاستقرار والعصرنة وحقوق الإنسان. 
وقائع ما يشهده الجسم الصحفي عموماً، من رحيل 90 صحفياً فلسطينياً، ومنع الصحفيين الأجانب من دخول قطاع غزة ليشهدوا ما تفعله المستعمرة من جرائم بحق الشعب الفلسطيني، أدى إلى تغيير مواقف الشارع الأوروبي والأميركي وحراكه، فكيف لو تكاثر الحضور الصحفي الأجنبي ونقل تفاصيل جرائم المستعمرة، سيكون الأثر بالتأكيد بليغاً وقوياً ومؤثراً. 
ما تفعله المستعمرة، فرض التغيير التدريجي للشارع الأوروبي والأميركي باتجاه التعاطف مع الفلسطينيين ورفضاً لرواية الإسرائيليين وأفعالهم، فانقلبت مواقف البعض سياسياً، وتطور موقف البعض الآخر، والحصيلة مكاسب استراتيجية للفلسطينيين وخسارة وفضح وتعرية استراتيجية للإسرائيليين. 
ما تقوم به الصحافة، خاصة المرئية التلفزيونية منها، وفي طليعتها الجزيرة، من خلال رصد وتوثيق: 1- جرائم المستعمرة، 2- معاناة الفلسطينيين، 3- أفعال المقاومة، فعل مهني تؤدي تداعياته إلى ما نشهده في شوارع عواصم العالم، وهذا التصويت المتقدم لدى الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح فلسطين دلالة على ذلك. 
لقد سبق للمستعمرة وأدواتها أن قامت بمجازر مشابهة، أقل وأكثر لدى سكان وأهالي ومدن وقرى فلسطين عام 1948، ولكن بدون مراقبة الكاميرا، بدون صور للجرائم، باستثناء طرد وتشريد نصف الشعب الفلسطيني إلى خارج وطنه. 
تم التعاطف مع مظاهر التشرد واللجوء والفقر والجوع الفلسطيني في مخيماتهم في لبنان وسوريا والأردن، والتعاطف الإنساني معهم، وبقيت كذلك بدون فعل يؤدي إلى عودة هؤلاء اللاجئين إلى وطنهم المصادر المسروق من المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي.
مجازر المستعمرة ضد الفلسطينيين كتب عنها وأرخها عدد من الباحثين، وأبرزهم الذي رصد وقائع جرائم المستعمرة وتفاصيلها الباحث المؤرخ الإسرائيلي ألان بابيه في كتابه المرجعي عن «التطهير العرقي في فلسطين» المستند إلى وقائع وتفاصيل أخذها من أرشيف جيش المستعمرة الإسرائيلية، ومقابلات مع مجرمي وقادة جيش الاحتلال.