«طوفان القسام» في قلب شمال الأردن… ما هي رسائل العشائر وأين تتكثف؟
عمان ـ «القدس العربي»: فكرة أن يجد الأردن نفسه على الأقل سياسياً وشعبياً في هذه المرحلة في قلب الصراع الدائر ضد أهالي قطاع غزة، أصبحت تنمو وتزحف إلى كل أوصال المجتمع الأردني عملياً وفيزيائياً لا بل أمنياً في بعض الأحيان.
الرسالة هذه المرة من قرية في أقرب مسافة جغرافية ممكنة لهضبة الجولان السورية المحتلة، ومن ثم لأطراف في بحيرة طبرية بفلسطين المحتلة ونهر اليرموك أيضاً. وعنوان التأطير والرسالة: نخبة من كبار السياسيين وقادة المجتمع المحلي والشخصيات الوطنية تجمعهم مناسبة على إيقاع القصف العدواني الهمجي على قطاع غزة.
عملياً، وإن كانت مناسبة اجتماعية وعشائرية ومناطقية الطابع في كل حال، لكنها حملت عناوين وطنية وسياسية حتى على المستوى القومي والأهم الفلسطيني وبحضور «القدس العربي». المناسبة كانت إعادة الإعلان عن بناء وترميم مضافة الشيخ قويدر السليمان العبيدات. وهو أحد أبرز رجالات شمال الأردن في تاريخ القرن الماضي.
تلك المضافة فيما يبدو، شاهد على مستويات متقدمة من تفاعل رجالات العشائر الأردنية في شمالي البلاد وجنوبها ووسطها، مع ثورة عز الدين القسام. وما بدا عليه المشهد من خلال الكلمات التي ألقيت على ضيوف حفل رسم على مقدار المقاومة ودون تكلف سياسي أو استعراض اجتماعي نظمته نخبة من أبناء عشيرة العبيدات، هو أن الجغرافيا حاكمة أردنياً في قلب الملف الفلسطيني. وهذا ما شاهده ضيوف العاصمة عمان وغيرهم من كبار السياسيين الذين تجولوا في رفقة رئيس الوزراء الأسبق أحمد عبيدات، وهو إحدى الشخصيات الوطنية البارزة ليس في شمال الأردن فقط. وكانت المناسبة مرتبطة بتراث قرية حرثا والقرى الـ 6 المجاورة لها، التي تعتبر واجهة عشيرة مهمة وكثيفة العدد ومؤثرة في الإيقاع السياسي والوطني الأردني، هي عشيرة العبيدات.
في الاحتفال رحب عبيدات، باسم عشيرته وأهل القرى والمنطقة، بالضيوف ومن بينهم رئيس الوزراء الأسبق عبد الرؤوف الروابدة، ونظيره الدكتور هاني الملقي، باعتبارهما من أبرز السياسيين والمسؤولين الكبار سابقاً من منطقة شمال الأردن. وكان الإيقاع الشعبي مرسوماً حتى في كلمات المتحدثين بتلك المناسبة المحلية على إيقاع معركة طوفان الأقصى.
وبدا واضحاً أن المتحدث الرئيسي، وهو الرئيس عبيدات وغيره في تلك الفعالية المؤثرة، مالوا إلى استدعاء تراث الشيخ قويدر العبيدات باعتباره من رجالات العشائر الأوائل في القرن الماضي، الداعمين للنضال الفلسطيني وثورات سوريا ولبنان ضد «الاستعمار». الأهم ظرفياً هو الإشارة المتكررة لـ «تلك العلاقة الخاصة» بين الشيخ قويدر والشيخ عز الدين القسام، حيث قدم الأول المال والسلاح لثورة القسام.
ظرف الفعالية السياسي والمكاني، وإن كان مرتبطاً بإعادة ترميم مضافة الشيخ قويدر، أعاد التذكير بقصة الصراع الأردني هذه المرة مع العدو الإسرائيلي، وثبات عشائر الأردن عموماً في الاتجاه المعاكس للمشروع الصهيوني، مع جملة هنا وتلميح هناك يؤشران على عزلة البنية الاجتماعية عن «الرهانات الرسمية».
حفل الاجتماع بالخطابات التي أيدت موقف القيادة الأردنية وأشادت به سياسياً من أزمة معركة طوفان الأقصى، لكنه حفل أيضاً بحرص الشعب الأردني على قول كلمته من شمال المملكة إلى جنوبها باسم قواه العشائرية وقبائله الأساسية في مسألة الصراع ومن زاوية النظر لهذا الصراع باعتباره صراع وجود، وباعتبار العلاقة الأردنية الفلسطينية تاريخياً عابرة للجغرافيا وللتاريخ، وللكيان أيضاً.
وجه المتحدثون، وأبرزهم الرئيس عبيدات، خطابهم لجملة تظهر دفاع المقاومة الفلسطينية اليوم عن «شرف الأمة» مع التلميح لـ «صمت الزعماء العرب» وإيحاءات لا تعكس «الرضا التام» عن التحالفات التي تعيق اليوم مصالح الشعب الأردني، بل ولا يقرها. تلك على نحو أو آخر رسالة بتوقيع شخصيات بارزة ونحو ما لا يقل عن 200 شخصية من أبناء واحدة من أهم عشائر «الزعامة الوطنية» شمالي الأردن وأكثرها حضوراً في الخريطة الوطنية، وثقافة واشتباكاً مع الصراع بمعناه الوطني والقومي. وتقول بوضوح إن نبض العشائر الأردنية لا بل نبض القرى الأردنية والمواطنين والنخب عموماً هو في الاتجاه المعاكس للمشروع الإسرائيلي تماماً، لا بل في عمق معادلة الصراع والنضال لصالح الشعب الفلسطيني.
ومن هنا برزت دعوة الرئيس عبيدات لإعادة قراءة الواقع الموضوعي والسياسي، واتخاذ خطوات ومبادرات تظهر الاحترام لتلك القيم القومية والنضالية التي تربى عليها الأردنيون، مع التذكير بأن عبيدات هو رئيس الوزراء السابق الوحيد الذي استقال من منصبه في مجلس الأعيان عندما رفض المصادقة على اتفاقية وادي عربة للسلام مع الإسرائيليين خلافاً لأنه رئيس الوزراء الوحيد الذي ظهر في وقت مبكر بعد السابع من أكتوبر داعياً الدولة الأردنية إلى الاقتناع التام بأن مصالحها المستقبلية مرتبطة الآن بصمود الشباب المقاومين في قطاع غزة من كتائب القسام وغيرهم.
بمعنى أو بآخر، تلك النصوص التي قيلت وبرزت على هامش إعادة ترميم المضافة من جهة أحفاد الشيخ قويدر تعيد ترسيم بوصلة المناطق والعشائر الأردنية أيضاً ضمن استجابات وتداعيات طوفان الأقصى.
الفرصة مواتية لحاضنة تعيد اليوم التذكير بأن عملية السلام برمتها لم يعد لها أصدقاء في عمان، وأن اتفاقية وادي عربة لا أحد يجرؤ على الإشادة بها أو حتى الإشارة لها بعد الآن، خلافاً للتذكير بأن أحداً في المستوى النخبوي الأردني قد لا يملك الجرأة الكافية لمواجهة تداعيات توجيه انتقاد واحد بصورة علنية لا لفصائل المقاومة الفلسطينية في هذه المرحلة ولا حصراً لحركة حماس.
بسام البدارين