عام التحديات
سلامة الدرعاوي
لا شك في أن العام الجديد 2024 لن يكون طبيعيا بكل المقاييس من الناحية الاقتصادية، حيث سيكون مليئا بالتحديات والصعوبات التي ستقف أمام العملية التنموية لأسباب عديدة أهمها الجانب السياسي والأمني الذي يلقي بظلاله القاتمة على المشهد العام في البلاد.
حرب الإبادة في غزة واستمرار المجازر، والتخوف من توسع العمليات الحربية إقليمياً، سيترك آثارا اقتصادية سلبية على غالبية القطاعات الاقتصادية في المنطقة عامة والمملكة خاصة.
قطاع السياحة الذي سجل أعلى معدلات نموه حتى الشهر الثامن من سنة 2023، تراجع بشكل كبير بفعل حرب غزة، وألغيت أكثر من 65 % من الحجوزات الفندقية، مما سيؤثر سلبا على دخل المملكة من العملات الصعبة.
حتى الصادرات، فإنه من المرجح أن تتراجع عن الأرقام المقدرة لها، وهي 6 % في العام الجديد، وذلك لأسباب عدة أهمها ارتفاع تكاليف الشحن والتأمين دولياً؛ بسبب تداعيات حرب غزة في المنطقة وتطورات تدخلات الحوثيين في مضيق باب المندب، إضافة إلى لجوء غالبية دول المنطقة إلى إجراءات حمائية لمنتجاتها الوطنية، مما سيزيد من الأعباء على الصادرات، ويولد ضغوطا تنافسية عليها، بسبب ارتفاع الكلف والمنافسة غير المتكافئة.
أسعار النفط قد تكون الأكثر عرضة في العام المقبل لموجة تقلبات حادة، مما سيلقي بظلاله على الفاتورة النفطية وكلف الدعم التي تقدمها الخزينة للمحروقات، والأمر أيضاً مشابه بالنسبة لأسعار المواد الغذائية الاستراتيجية، خاصة الحبوب، وتحديداً القمح، وكلها احتمالات تساهم-إذا لا سمح الله حدثت- بارتفاع المخصصات التي تقدمها الخزينة لتلك السلع من أجل المحافظة على أسعارها بين يدي المستهلك.
العام الجديد سيكون عام التحدي للحكومة في إحداث اختراق إيجابي في العملية الاستثمارية، خاصة باتجاه المشاريع الكبرى مثل الناقل الوطني والتوسعة الرابعة للمصفاة، وتحديث الموانئ.
الحكومة مطالبة في هذا العام بإحداث نقلة نوعية في خدماتها الإلكترونية المقدمة للمواطنين والمستثمرين معاً، وأن يتلمس الجميع نوعية وأثر هذه الخدمات من حيث الجودة والدقة والسرعة في إنجاز المعاملات وإتمامها بالشكل المطلوب.
لكن التحدي الأكبر أمام الحكومة هو في عمليات ضبط النفقات العامة بشكل هادئ ورشيد ضمن عملية إصلاح مالي شاملة، تكون أقرب للعملية الجراحية العميقة والحرجة لجسم هيكل النفقات العام في الموازنة التي تعاني عجزا يناهز الـ2.8 مليار دينار في سنة 2024.
أقولها بصراحة، حالة عدم اليقين هي التي ستكون سائدة في المشهد الاقتصادي للمملكة في العام الجديد، بسبب تداعيات حرب غزة وما ستخلفه من آثار عميقة على مجمل الأنشطة الاقتصادية في المنطقة، وليس الأردن فقط.
ما يستدعي من الحكومة الحذر ثم الحذر في إدارتها للمال العام والموارد المحدودة لديها، وإعداد خطط الطوارئ لكل القطاعات تحسبا لأي سيناريوهات محتملة وطارئة على المشهد العام، وهو أمر ضروري من باب التحوط، وليس التخويف وإثارة الذعر، فالأمر يحتاج إلى إجراءات احترازية قدر اللزوم للخروج بأقل الخسائر لا سمح الله.