مغاربة يمتنعون عن الاحتفال برأس السنة تضامناً مع فلسطين…
ليلة رأس السنة لا تشبه ما سبقها من ليالي الأعوام الأخرى، في المغرب عدد كبير من المثقفين والفنانين وعموم الرأي العام رفضوا الاحتفال بليلة رأس السنة جرياً على عادة استقبال عام جديد وتوديع آخر، والسبب هو ما يتعرض له الشعب الفلسطيني في غزة على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي.
لم يكن الامتناع عن الاحتفال سوى نوع من الاحتجاج والتعبير عن الغضب بعد أن انقضى عام وجاء آخر دون أي تغيير على الأرض في غزة، حيث تحولت الحياة إلى جحيم حقيقي، لذلك يقول إعلامي وشاعر في تدوينة فيسبوكية: "لا يمكنني الاحتفال (برأس) سنة أو (قدم) أخرى مع تواصل حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني”، ويضيف إلى ذلك تدوينة أخرى عبارة عن صورة كتب عليها "فلسطين أرض الميلاد، كل عام وأنت حرة”.
تطبيق التراسل الفوري "واتساب” كان حاضراً أيضاً من خلال تقاسم أعضاء مجموعات مهنية في الصحافة والثقافة، لصور عبارة عن تهان بحلول السنة الجديدة لكن بطعم فلسطيني خالص، ونجد رسمة لـ "حنظلة” وقد صار ملوناً يرتدي علم فلسطين وعلى يمينه انتصبت تهنئة "كل عام وأنتم بخير”.
تحولت أيقونات السنة الجديدة ورأسها اختلط مع رأس الحزن الذي عبر عنه المغاربة في ليلة حزينة لا تشبه باقي ليالي الأعوام الماضية، وحتى من احتفل كان خجولاً وفي رأسه قلق وخاطره غير مرتاح بالمرة.
فلسطين كانت سيدة الميلاد، فهي أرضه أولاً، وهي بوصلة الوجع حالياً أمام ما يتعرض له العزل من أطفال ونساء وشيوخ وكهول وشباب من تقتيل يومي، وأن تختلط التهنئة الميلادية بأماني السلام أمر عادي جداً، حين يهنئ مناضل يساري في تدوينة فيسبوكية "بمناسبة حلول السنة الميلادية الأصدقاء والأخوة على "أمل أن يعم السلم والسلام بأرض فلسطين، وأن يتحقق العدل والمساواة بين جميع الشعوب في مشارق الأرض ومغاربها، وكل عام أنتم أجمل وأكثر بهاء وإشراقاً وتطلعاً نحو الغد الأفضل”.
أما الصورة الأكثر انتشاراً فهي التي جمعت في صيغة تركيبية عدداً من أطفال غزة بعد القصف الوحشي، وحملت شعاراً باللغة العربية والإنجليزية والفرنسية والإسبانية، يقول: "السنة الجديدة مع غزة، مع فلسطين… حافظوا على إنسانيتكم”.
إلى جانب الصور والتدوينات المعبرة عن هذا الوجع وغياب أي نشوة فرح بالسنة الجديدة في خضم هذا القصف القديم والقتل الأقدم الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني، نجد باحثة مغربية تتقاسم رسالة ضمن مجموعة ثقافية في الواتساب، وهي قادمة من غزة تقول بعض مقاطعها التي تقطع القلب فعلاً: "يا صديقي: ليـس كـل الوجع قابلاً للبـوح، في الحرب هناك أشياء لا يُفصح عنها”، ويضيف كاتب الرسالة: "يا صديقي: الأكثر ترفاً في مدينتي في ليلةِ رأس السنة هو الموت السريع”.
ويقول أيضاً بوجع: "كنت أخشى أن أكون وحدي وقت الموت، أما الآن فأنا أخشى وجود أشخاص كثيرين بجانبي يشاركونني الموت والقبر ولحظات الوداع المؤثرة”.
هي ملامح قليلة نوردها هنا لوجه التواصل الاجتماعي المغربي ليلة رأس السنة، حيث الكثير من الوجع على فلسطين والكثير من الأماني والآمال العريضة كي يتحقق السلام وينعم الفلسطيني بالحرية والاستقلال.
*طوفان الأقصى ضربة مدروسة
على صعيد آخر، كشف استطلاع للرأي أجرى في المغرب حول آثار عملية "طوفان الأقصى” على آراء المستجوبين ومواقفهم، أن 93٪ منهم يعتبرون 7 تشرين الأول/أكتوبر ضربة مدروسة أعادت إحياء القضية الفلسطينية، في حين يرى 7٪ فقط أنها تسرع دون مبالاة بالعواقب.
الاستطلاع الذي أنجزته المنظمة الشبابية لحزب "العدالة والتنمية” المعارض ونشر نتائجه موقع "لكم”، أفاد أن 89٪ من المستجوبين انخرطوا في حملة مقاطعة الشركات الداعمة لإسرائيل، و81 ٪ قاموا بالدعم عن طريق المشاركة والتفاعل على مواقع التواصل الاجتماعي، في حين شارك حوالي 60٪ في الوقفات التضامنية.
ويرى 90٪ من المستجوبين أن الحل هو الاستمرار في المقاومة حتى إخراج الاحتلال، بينما 10٪ فقط مع خيار حل الدولتين.
وبخصوص ما قام به المغرب من إرسال المساعدات والتعبير عن القلق في بلاغات، يرى 85٪ من المستجوبين بأن هذا المجهود الرسمي يبقى غير كاف و13.5٪ يعتبرونها مواقفَ متوازنة، بينما اعتبرها 1.5٪ فقط أنها متقدمة.
وعلاقة بموضوع التطبيع، اعتبر 96٪ من المشاركين في الاستطلاع أن التطبيع يجب أن يتوقف ويغلق مكتب الاتصال نهائياً، مقابل 4% فقط من المستجوبين يرون أن الأحداث في غزة لا يجب أن تؤثر على العلاقات المغربية الإسرائيلية.
كما كشف الاستطلاع نفسه عن حجم المتابعة الكبير من طرف المغاربة لما يجري في فلسطين وقطاع غزة على وجه التحديد، بعد طوفان الأقصى، حيث أكد 54% من المستطلعين أنهم يتابعون الأحداث بشكل يومي، و39% على مدار الساعة.
يذكر أن اتفاقات التطبيع مع الكيان الصهيوني تم توقيعها نهاية عام 2020 في عهد حكومة حزب "العدالة والتنمية”، ووقعها عن الجانب المغربي الرسمي رئيس الحكومة آنذاك سعد الدين العثماني الذي كان يرأس في نفس الوقت الأمانة العامة لحزبه.
دائماً على صعيد التفاعل مع القضية الفلسطينية، نشر "مركز السياسات من أجل الجنوب” مذكرة للباحث والخبير الاقتصادي فتح الله ولعلو، الذي سبق أن كان وزيراً للاقتصاد والمالية، أكد فيها أن عملية "طوفان الأقصى” وردّ إسرائيل المدمر على السكان المدنيين والبنية التحتية في غزة، كان من نتائجه أن أصبحت "القضية الفلسطينية في المقدمة”.
كما تطرق إلى معالم رسمت مسار الصراع، وبعد خوضه في التاريخ وصل للمرحلة الحالية وخصص للمقاومة والانتفاضة حيزاً وافياً ضمن ما كتب وسجل. وبالنسبة لفتح الله ولعلو، فإن فلسطين "قضية مركزية وحتميّة”، ومع هذه الحرب التي تتعرض لها غزة من عملية "طوفان الأقصى”، فقد "استعادت القضية الفلسطينية مركزيتها في العالم بفجوة جديدة بين الغرب الداعم لإسرائيل والجنوب العالمي”، وفق ما أورد موقع "هسبريس”.
واستنتج الوزير السابق أن الحرب في غزة كشفت "أن القضية الفلسطينية لا تزال مركزية ولا مفر منها”، و”لا يمكن تجنّب ذلك إذا أردنا بناء شرق أوسط جديداً تقبل فيه جميع الكيانات بعضها لبعض وتتعايش”، لذلك فإن "الاعتراف بأن الاحتلال الاستعماري هو أصل الصراع يعني الاعتراف بشرعية النضال والمقاومة الفلسطينيّين”.
وزير سابق آخر، هو الحبيب الشوباني، وصف ما يقع في غزة من عدوان إسرائيلي بكونها "حرباً عالمية أخلاقية أولى بشهادة العالم”.
الشوباني الوزير السابق في العلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، وخلال ندوة نظمها "مُنتدى الريسوني للحوار العلمي”، دعا إلى نشر الوعي بأقدمية "المسألة اليهودية” والتأكيد على أن ارتكازها على إقامة دولة عنصرية لليهود في فلسطين، هو الذي سيؤدي بهم إلى شتات جديد. كما دعا إلى نشر وعي قرآني صحيح بعلاقة المسلمين باليهود، بما يمكن من التمايز مع نموذج الداعشية المراد عولمته غربياً واستبدادياً.
وحسب الوزير السابق والقيادي في حزب "العدالة والتنمية”، فإن "الإعلام الجديد ساهم في استرجاع شريط سرديات 75 سنة من معاناة الشعب الفلسطيني مع جرائم الاحتلال الصهيوني”، كما ساهم في انكشاف زيف الأساطير المؤسسة لهذا الاحتلال، وانتصار الصورة البطولية للمقاومة الفلسطينية، والصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني الأعزل.
ويؤكد الشوباني، فقد شكل هذا الإعلام الجديد "دعامة أساسية لانتصار المقاومة وتحقيق حالة شهود حضاري إسلامي تجلى في صنع التضامن مع الشعب الفلسطيني، وجعله الأول عالمياً في انشغالات البشرية قاطبة”، إضافة إلى وضعه "صورة عالمية للتقاطب في الصراع بين مقاومة إسلامية راقية دينياً وعسكرياً، وبين ميليشيات متوحشة في صورة جيش نظامي لكيان استيطاني وكيل للاستعمار الغربي بالمنطقة”.