الإبادة الصامتة يمارسها جيش الاحتلال
عليي ابو حبلة
قوات جيش الاحتلال الصهيوني ومستوطنوه يمارسون جرائمهم في الضفة الغربية بالتوازي مع المذابح البربرية التي ترتكب في جرائم الحرب على غزة بفارق الصمت الذي يرافق تلك الجرائم المرتكبة بالضفة الغربية، ولا يعرف عنها العالم القدر ذاته الذي بات يعرفه عن غزة، وهي تشمل جميع أشكال التنكيل والتخريب والتدمير الإبادية الممكنة: اقتحامات للمنازل وانتهاك حرماتها بلا أي مسوغ قضائي، واعتقالات إدارية بلا أي ذريعة قانونية، وسلب للأراضي، واعتداء على الممتلكات، وتهجير قسري، وقتل عشوائي للمئات دون تمييز بين شبان وأطفال، تماما كما هو الحال في غزة
في الثالث عشر من سبتمبر/أيلول عام 1993، وقَّعت منظمة التحرير الفلسطينية الاتفاقية الأولى بينها وبين دولة الاحتلال الإسرائيلي، التي عُرِفَت لاحقا باتفاقية أوسلو، وبموجبها قُسِّمت الضفة الغربية إلى ثلاث مناطق إدارية وأمنية أ، ب، ج. وبينما خضعت المنطقة (أ) للسيطرة الأمنية والإدارية للسلطة الفلسطينية، المتمثلة بمنظمة التحرير، وقعت المنطقة (ب) تحت سيطرة مشتركة بين السلطة (إدارية) والاحتلال (أمنية)، فيما بقيت المنطقة (ج) خاضعة بالكامل للسيطرة الأمنية والإدارية الإسرائيلية، على أن تُسلَّم تدريجيا لإدارة السلطة الفلسطينية.
هذا التقسيم الخاطئ خلق معضلة كبيرة وارسى مفهوما من قبل الاحتلال أن الأراضي في الضفة الغربية أراض متنازع عليها، فالمنطقة (أ) الخاضعة لإدارة السلطة الفلسطينية، والمنطقة (ب) الواقعة تحت إدارة تنسيقية مشتركة، لم تُمثِّلا إلا 39% فقط من مساحة الضفة، وأقلهما مساحة هي المنطقة (أ) بواقع 18%، فيما استحوذ الاحتلال بالمنطقة (ج) على 61 % من مساحة الضفة، وهي المساحة التي تشمل -بجانب المستوطنات- العديد من المناطق الإستراتيجية ومصادر المياه، وهذا كله لم يمنع الاحتلال من اختراق المنطقة (أ) لممارسة «المهمات الأمنية» والاعتقالات وقت ما شاء وفي الكيفية التي يراها مناسبة وفق الاتفاق الأمني وما يعرف بالملاحقات الساخنة.
لم يحقق اتفاق أوسلو أيا من أهدافه وغاياته وفق ما قصده الفلسطينيون وانتهت المرحلة الانتقالية دون تحقيق اختراق يذكر بمسيرة السلام عبر ثلاثين عاما، لم تكسب السلطة الفلسطينية شبرا إضافيا من المنطقة (ج)، بل العكس من ذلك زادت وتيرة الاستيطان غير الشرعي بمخالفة صريحة للقرار 2334 الذي اعتبر الاستيطان في الأراضي المحتلة بعد الرابع من حزيران 67 غير شرعي، مع تزايد الانتهاكات الإسرائيلية بحق الأرض ومصادرتها من الفلسطينيين بصورة تعكس الرؤية اليمينية المتطرفة الراغبة في ضم الضفة الغربية كلها وأراضي فلسطين التاريخية كافة إلى كيانها المحتل ولعل أبلغ الأدلة على هذا التوجه هو صورة الخارطة التي رفعها «نتنياهو» بالأمم المتحدة وتُظهِر كامل الأراضي الفلسطينية ضمن حدود إسرائيل المزعومة الضفة الغربية بجغرافيتها بعد اتفاق أوسلو باتت مطمع حكومات الاحتلال؛ إذ تم تصدير العديد من الأوامر العسكرية غير القانونية لشرعنة الاستيطان ومصادرة الأراضي الفلسطينية. فقد صدر الأمر العسكري رقم 378 الخاص بسلب الأراضي بحجة أنها مناطق عسكرية مغلقة، والأمر العسكري رقم 363 الذي يسمح بسلب الأراضي لتحويلها إلى محميات طبيعية، والأمر العسكري رقم 321 الذي يُجيز للاحتلال استملاك الأراضي بحجة المصلحة العامة، والأمر العسكري رقم 271 الذي يسرق الأرض لتكون مناطق تدريب عسكرية، والأمر رقم 59 الخاص بأملاك الدولة، والأمر رقم 58 المتعلق بأملاك الغائبين، وغيرها الكثير وبموجب هذه الأوامر، وعلى مدار أكثر من 56 عاما فقط، أصبحت الضفة الغربية تعج بـ 176 مستوطنة و186 بؤرة استيطانية مع بداية عام 2023، لتتحول الأرض التي نجت من الغزو اليهودي عام 1948 إلى أرض محتلة بأكثر من 800000 ألف مستوطن يستحوذون 42 % من أراضي الضفة الغربية، وتصبح المنطقة (ج)، التي وعدت أوسلو الفلسطينيين بها، خاضعة لسلطة الإدارة المدنية « الحكم العسكري « بنحو 68% من مساحتها، وبذلك يسيطر المستوطنون على 87% من موارد الضفة الطبيعية، و90% من غاباتها، ونحو 50% من شوارعها
ووفقا لما ذكره الأكاديمي المعماري الإسرائيلي «إيال وايزمان» في كتابه «أرض جوفاء»، فإن هندسة الاستيطان تلك عمدت إلى تفتيت الضفة عبر خمس مراحل استيطانية إلى جزر يابسة متباعدة (نظام فصل عنصري)، وهو ما عزل المدن الفلسطينية عن بعضها بعضا، وفتَّت أسواقها ومجتمعها وأعاق كل سبل التنمية الاقتصادية والاجتماعية بها. وهذا كله في انتهاك صارخ وصريح لاتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر على الدول المحتلة نقل سكانها للأماكن الخاضعة للاحتلال، وفي ظل تأكيدات دائمة من لجان التحقيق الدولية عدم شرعية الاحتلال الإسرائيلي للضفة، ومخالفة الاستيطان للقانون الدولي
حكومة الاستيطان والمستوطنين التي يرأسها نتنياهو وتضم غلاة المتطرفين تعمد إلى اتخاذ مواقف وقرارات جميعها تهدف للتضييق والخناق على الفلسطينيين من خلال قرارات الهدم والقتل والاعتقال التي تقود للترحيل ألقسري للسكان الفلسطينيين وأن كل حكومات إسرائيل ترى أن أراضي الضفة الغربية أراضي متنازعا عليها وفق مفهومهم لاتفاق أوسلو ، وهي تنكر حقيقة وقانونية السيادة الأردنية عليها في الفترة ما بين 1948-1967 ولهذا فإنها تمنح نفسها الشرعية الكاملة في سلبها كما سلبت سائر أراضي فلسطين التاريخية عام 1948. وتعهدت حكومة اليمين والمستوطنين بضم الضفة الغربية وهي شرعت بحمله غير مسبوقة من التوسع الاستيطاني مستغلة حربها على قطاع غزه وأطلقت العنان للمستوطنين للقيام بجرائمهم وتوسعهم الاستيطاني وقد حولتهم حكومة الحرب الى ميليشيا مسلحه بعد أن شرع وزير الامن الداخلي بن غفير بتسليحهم
تمثل عملية الاقتحامات اليومية للمخيمات والمدن والبلدات الفلسطينية إحدى أهم السياسات العقابية للفلسطينيين ضمن سياسة الخناق والتضييق وتدمير لمقومات الحياة، حيث وجد أن الاقتحامات العسكرية تمارس أربعة أنماط من انتهاكات الحياة اليومية للفلسطينيين: اعتقال أحد أفراد العائلة أو أكثر، ومسح وتوثيق المبنى القائم للبيت وهوية سكانه، والسيطرة على المنازل لأغراض عملياتية كإجراءات الرصد والمراقبة وتأسيس مواقع لإطلاق النار، وأخيرا استخدام البيوت مخابئ.
هذه الانتهاكات تحظى بحماية مطلقه؛ إذ «لا تشترط التشريعات العسكرية الحصول على أوامر قضائية لاختراق الحيز الخاص للأفراد» والاجتياح والاقتحامات تخضع لمعتقدات عدائية لدى قوات الاحتلال والمستوطنين ضد الفلسطينيين، تُترجم في كثير من الأحيان لتهديد الأسرة واستخدام العنف ضد الفلسطينيين، كل هذا يحدث بشكل اعتيادي وطبيعي، على فترات متعاقبة تمحو صخب الإبادة قدر الإمكان، لكن تراكم تلك الممارسات أفضى إلى تحويل حياة الفلسطينيين لجحيم لا يطاق، وتحمل معها شتى أنواع الطغيان والاضطهاد والظلم؛ من سلب للأراضي، وتهجير من المنازل، وسلبها أو هدمها، وانتهاك مقدسات، واستباحة حُرمات، واحتلال عسكري للحياة اليومية لأكثر من 56 عاما، دون أن يكون هناك طوفان أقصى أو موجات استنفار وعداء استثنائية، ودون أن تكون الرغبة الإسرائيلية في الانتقام بتلك الضخامة وهذه الحِدَّة، فكيف الحال اليوم في ظل الحرب التي تشن على غزه ؟ فهل كُتِبَ على الضفة والقدس حرب أباده صامته من نوع آخر : تمارسها قوات الاحتلال بحق الفلسطينيين تارة بالقتل وأخرى بالتدمير حيث تتنوع جرائم الاباده التي تمارس بحق الشعب الفلسطيني مما يتطلب تحركا جديا من قبل المجتمع الدولي لوضع حدود لهذه الحرب الصامتة ووقف الاعتداءات من قبل قوات الاحتلال والمستوطنين
ان استمرار الحرب على غزة وسياسة الحرب الصامتة على الضفة الغربية والقدس من شأنها أن تدفع لمزيد من التصعيد لمقاومة الاحتلال وتدفع المنطقة لاتون الصراع؛ ما يتطلب تحركا جديا وفوريا لإنهاء الحرب ووضع حدود لسياسة العدوان الصامتة ضد الضفة الغربية والقدس، وإلزام حكومة الاحتلال لوقف عدوانها على الشعب الفلسطيني، وضرورة إلزامها للانصياع لقرارات الشرعية الدولية وإنهاء احتلالها وفق ما نصت عليه قرارات الشرعية الدولية.