غزة وقطار الشرق السريع
د.اسامة المجالي
كل الطرق تؤدي الى روما قال الأقدمون ، يتضح هذا في كل مناحي الحياة الصاخبة المتفجرة هذه الايام في ظل استمرار الحرب الهمجية على اخواننا الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة ، المنكوبين بالاحتلال الصهيوني وما يفعله الاحتلال ، فأثناء سهرة لحضور فيلم " جريمة قتل في قطار الشرق السريع " وهو فيلم مأخوذ عن قصة لأجاثا كريستي ومن بطولة جوني ديب وبينولوبي كروز وآخرين يتم قتل أحد ركاب القطار المنطلق من إستنبول إلى لندن عبر كل أوروبا ، والمقتول هو رجل أعمال ، وهنا يتم الطلب من بوارو المحقق البوليسي الالمعي ان يحقق بالجريمة وأن يكتشف القاتل ، تدور الاحداث المثيرة في مثل هذا النوع من الافلام والذي بالمناسبة يقدم اكثر من اشارة ايجابية أخرى في نظرته للإحتلال اليهودي والإنجليزي من قبله لفلسطين عندما في بداية الفيلم يكشف " بوارو" عن دور الضابط الإنجليزي الخبيث في إثارة النعرات والفرقة بين المسلمين وبقية مكونات سكان فلسطين المحتلة من الطوائف المختلفة .
احداث الفيلم تقود بالنهاية إلى أن الإثني عشر راكباً الموجودين بالقطار كلهم قد تواطؤا وقاموا بعملية قتل رجل الاعمال المزعوم ، ذلك أن رجل الاعمال هذا لم يكن سوى مجرم متخفي جمع امواله بشكل اجرامي وغير قانوني ويقوم بخداع الناس والتلاعب بهم حتى انه تورط في الماضي بخطف إبنة صغيره لرجل ثري وعصامي ومستقيم ثم فيما بعد بعد الابتزاز تمّ قتل الطفلة بشكل وحشي مما أدى إلى سلسلة أحداث مأساوية تودي إلى انتحار كلا من الام والأب على السواء ، المهم والذي لفت انتباهي اثناء مشاهدة الفيلم هي مرافعة المحقق العبقري بوارو وحبكة القصة في النهاية ؛ اذ يقول " قد يظن البعض إن جريمة القتل تؤدي إلى ضحية واحدة ربما ، ولكن الذي يحدث بالحقيقة انه بسبب عملية القتل الهمجية الغادرة للطفلة البريئة فإنه قد تحطّمت وتشوّهت وتهشّمت حيوات مجموعة كبيرة من الناس مرتبطين عاطفيا وعضويا بالضحية البريئة لجريمة القتل ، ابوها وامّها واخوها ومعلمها واختها ومربيتها وجدتها وسائقها وغيرهم ممن ارتبط بها ، كل اولئك الناس بأرواحهم الجريحة يشعرون بضرورة ملحة لتحقيق العدالة ومعاقبة الجاني القاتل وهكذا كان "
لا شئ معلّق ، لا شئ يمحوه الزمن بل تمضي الحكاية إلى ان يشارك كل الركاب بالفيلم بعملية أخذ الثأر وتحقيق العدالة التي لم تستطع الضحية وعائلتها ان ينالوها وذلك بعد أن تمكن المجرم من الافلات من العقاب .
مر بخاطري " روح الروح " الطفلة ريم في غزة ، ريم التي قضت كعشرات الالاف مثلها بالقصف الهمجي الاسرائيلي المدعوم تماما من الامريكان والغرب ككل ، قصف سجادي وحشي نازي هولاكي لا يذكر إلا بمذابح العهود القديمة الموغلة بالدماء والتوحش واللاإنسانية ، تذكرت جدها الكريم الذي كُسر قلبه كما كُسر قلب العالم حزنا وتعاطفاً معه وكيف حوّلوه إلى ايقونة هو وكل ضحايا هذا العدوان الغاشم ، العدوان الذي يخلّف وراء كل ضحية تغادر مظلومة عشرات العلائق والأقارب والأحباء وكلهم من لحم ودم وفرح وأمل ويشكلون بمجموعهم منظومة متراصّة لا تختفي بمجرد توسيد شهيدها اللّحد بل تمدد ويتنامى غضبها وحزنها وإصرارها على الانتقام من القتلة والمطالبة بالتحرير والحرية والعيش الانساني الكريم .