التأمين الصحي”.. حلول تدور في حلقة مفرغة
يشهد عمل التأمين الصحي في وزارة الصحة، إرباكا سببه عدم وجود أسس واضحة لآليات تحويل المرضى إلى المستشفيات الجامعية والخدمات الطبية ومستشفيات الوزارة، وكذلك الأمر بالنسبة لتأمين العلاجات اللازمة للمواطنين.
وفيما ينتظر المواطنون أن يتحقق حلم "التأمين الصحي الشامل”، كان لافتا خلال الفترة الأخيرة، ازدياد المنشادات عبر منصات التواصل الاجتماعي، حول حالات مرضية تحتاج إلى تغطية كلف علاجها، خصوصا بعد وفاة الشاب عبدالله المشاهرة بعد صراع مع المرض، والذي أثارت وفاته الرأي العام لعدم استجابة أي جهة حكومية لمناشداته في تأمين علاجه، في الوقت الذي تمنح فيه الحكومة لكل أعضاء مجلس النواب، 4 إعفاءات في الشهر، يخصصها النائب لمواطنين من منطقته الانتخابية.
مطالبات يومية ومتكررة تحط على مكتب وزير الصحة سعد جابر، للتحويل إلى مركز الحسين للسرطان والمستشفيات الجامعية، لكن الوزارة تقوم عادة بالتحويل إلى مستشفى البشير الحكومي، فيما يتم تحويل حالات إلى الخدمات الطبية الملكية، "بعد معاناة شديدة”، وفق مصادر حكومية، أيضا، أن الحالات التي يتم تحويلها للمراكز التخصصية كمركز الحسين للسرطان والمركز الوطني للغدد الصماء والسكري، والمستشفيات الجامعية، أصبحت قليلة جدا ودون وجود أي معايير تراعي مكان السكن أو الحالة المرضية، إلا في حالات الحاصلين على الإعفاء الطبي القديم والذي يجدد سنويا، فهذه غالبا ما يتم إعادتها لاستكمال العلاج.
حالة الإرباك، تظهر جلية أيضا في حالات التبليغ عن الحالات الطارئة، فوفقا لنظام التأمين الصحي، "إذا ما أبلغ المؤمن عن حالة طارئة وفقا للأصول المرعية، يتم إعادة 80% من المبلغ الذي تم دفعه للمستشفى الخاص أو المحول عليه”، لكن المواطن أنس فايز قال لـ”الغد”، إنه راجع إدارة التأمين الصحي لإعادة المبالغ بعد معاملات مضنية ومراجعات استمرت 6 أشهر، حيث أخبرته إدارة التأمين الصحي أنه سيتم إعادة مبلغ يصل إلى نحو 200 دينار من أصل 800 دينار دفعها كلفة ولادة لزوجته بمستشفى خاص، ولا تصل إلى نسبة 40 % من مطالباته.
وأضاف، أنه ولدى مراجعته إدارة التأمين الصحي للاعتراض، تم إخباره أن المستشفى المشار إليه ليس من ضمن المستشفيات المتعاقد معها من خلال إدارة التأمين الصحي، مشيرا إلى أنه لا يوجد ما ينص في نظام التأمين الصحي على ما قالته إدارة التأمين الصحي.
"الغد”، حاولت بدورها التواصل مع مديرة إدارة التأمين الصحي، إلهام خريسات، حول موضوع المواطن أنس، وقالت إنها "ستدرس الموضوع”، لكن لم يتم اتخاذ أي إجراء حتى الآن.
وتتشابه حالة فايز مع حالات أخرى، يقف المواطن فيها عاجزا أمام اجتهادات إدارة التأمين الصحة ووزارة الصحة، رغم أن الحكومات تتحدث عن "تأمين صحي شامل”، منذ أكثر من عقدين.
ووفق المصادر الحكومية، "يبدو أن القضية أكبر من مجرد إرباك، فحالة التشتت بين التأمين الصحي والإعفاء والتحويل ووجود التأمين الصحي كإدراة في وزارة الصحة والخطط الحكومية لفصلها كهيئة أو إدارة مستقلة، واستراتيجية العمل الجديدة، هي مجرد خطط قد لا تصل إلى مرحلة التطبيق بسبب تعقيدات المشهد الطبي والكلفة المالية المترتبة على الحكومة ووزارة الصحة التي تصل سنويا إلى قرابة النصف مليار دينار”.
وأشارت المصادر إلى أن دراسة "هيئة التأمين الصحي” ما تزال حبيسة أدراج رئاسة الوزراء ولم يعلن بعد عما إذا حسمت الحكومة أمرها بإتباع الهيئة إلى أي جهة وما هي مصادر تمويلها أو إيراداتها باستثناء ما يرصد لها من بند الموازنة العامة للدولة.
وتبلغ إيرادات هيئة التأمين الصحي سنويا نحو 156 مليون دينار، ولا يكفي هذا المبلغ وفق المصادر، للإعفاءات التي تصل سنويا إلى نحو 200 مليون دينار وحدها كما تظهر إحصائيات رسمية لوزارة الصحة.
من جهتها، قالت مصادر نيابية إن هناك "العديد من الجهات التي تمنح تأمينا أو تحويلا أو اعفاء وفق أسس غير واصحة أو معروفة لدى الناس، باستثناء تلك الحالات التي تراجع الديوان الملكي العامر، بحيث تحصل على الإعفاء للحالة والمستشفى خلال وقت قصير وفق مقتضى الحال، غير أن المدة تم تقليصها من عام إلى 3 أو 6 أشهر”.
ووفق ما ذكرت مصادر في وزارة الصحة ، فإن فاتورة التأمين الصحي باتت "تقض مضاجع الحكومة” فضلا مسألة منح الإعفاءات الطبية، حيث تلجأ الوزارة إلى التقليص غير المعلن والمباشر في التحويلات للمستشفيات الخاصة والجامعية.
وأضافت المصادر، أن محاولات الحكومة التخلص من فئة ما فوق 60 عاما ودون الست سنوات من الإعفاءات، لم تجد نفعا، ذلك أن فاتورة كبار السن والأطفال أصبحت مرتفعة على التأمين الصحي.
وكانت الحكومة شملت من هم فوق 60 عاما ودون ست سنوات بالتأمين الصحي المجاني لرفع نسبة المؤمنين التي قالت الوزارة إنها تعمل لوصولها إلى 80 %، فيما كشفت الدراسات الحكومية السابقة للمجلس الصحي العالي، عن أنها تراوح بين 69 و72 % من مجموع المواطنين.
وأجمعت جميع تلك المصادر، على أن أزمة التأمين الصحي، "ستبقى قائمة وتتفاقم ما لم يكن هناك تدخلا جراحيا حكوميا ومعالجات جذرية تنظم العمل وتحد من حالة الهدر المالي وتعدد المرجعيات في منح التأمين الصحي وبأسس أكثر عدالة ووضوحا”.