حَبْرُ هذه الدولة
المحامي عبد الكريم الكيلاني
كلامه الاقتضاب ، صمته التفكر ، رجل أحمال و أثقال ، نظره الثاقب لا يخطىء الفِراسة ، و هيهات ان يتفرسه فارس .
هذه ليست روايتي ، بل رواية مؤسس دائرة المخابرات الأردنية ، الذي لم تستعص الغاز الملامح و الوجوه على بصيرته الثاقبة ، تغوص في الأغوار وتقرأ لواعج النفوس بخطف البصر ، قلقها ،اضطرابها ،ترددها قبل ان ينبس مقابله ببنت شفة
إلا ان الوحيد الذي استعصى عليه، حبر هذه الدولة ، (زيد الرفاعي )، صاحب الملامح ، الوادعة ، داهية السياسة الذي استعصى اختراقه على داهية المخابرات .
ورغم ذلك فمن الطبيعي ان تنال سهام النقد اداء الرفاعي الأب الذي ترأس حكومات عديدة كلف بها من صاحب الجلالة الملك الحسين رحمه الله ، إلا أن اشد الانتقادات قسوة إبان ازمة هبوط سعر الدينار عام ٨٩ و ما تبعها من احداث أليمة .
لكن هذا الخيميائي، اعيا كل حكيم ، فقد ارتبط بالوقت نفسه ، بعلاقات متينة مع أنزه الشخصيات القانونية ، من ضمنهم العملاق و القامة الرفيعة ، فارس الخطابة و المرافعة صاحب اليراع و القلم الراحل الكبير ابو شجاع (حسين مجلي) المُجلي و المجلجل في ميدان المحاكم .
وكذلك جمعته علاقة ود واحترام بالغ مع الراحل و المعارض البارز ليث شبيلات ابو فرحان رحمه الله .
كما ارتبط بعلاقة وثقى بالقاضي العدل ، فاروق الكيلاني ، وكان لحبر الدولة دور رئيس، في ترشيح القاضي الكيلاني ، لرئاسة محكمة التمييز .
وهذا يدفعنا الى التعمق في النظر و التحليل ، فالرفاعي وان وقع في بعض الاخطاء ، لكن التيار الذي عصف بالاستقرار آنذاك ، كان اكبر من قدرة الحكومة الأردنية ، وتجدر الإشارة هنا إلى ما ذكره الدكتور جواد العناني مؤخرا ، ان محاولات النيل من قوة الدينار ، وراءها اهداف معادية من دولة الكيان وليست اسباباً اقتصادية محلية صرفة ، حيث كانت دولة الكيان تجمع الدينار الأردني ثم تقوم بضخه دفعة واحدة في أسواق عملة مجاورة ، وكان الجهاز المركزي للدولة يقظا لهذه المؤامرات ، و تم تكليف العناني نفسه ، بشراء ما تم ضخه ، من الأسواق المجاورة حتى لا يتسبب ذلك ،باي تاثير على سعر الصرف .
ايا كان ، وبعيدا عن سهام النقد ، تشير بعض المصادر ان اجهزة استخبارية عديدة اجنبية و عربية ، سعت غير مرة لزعزعة الوضع في هذا البلد الآمن ،وكان واحدا من اخطر هواجسها ، هو حبر الدولة ، كيف يفكر !!! ، لانه واحد من قلائل ، يستطيعون بالكياسة السياسية ، تدارك الخطر ، كائنا من كان وراءه، فهذا البلد تكلأه عين الرحمن التي لا تنام ، ثم رجال خفاء ، اخلصوا لله العمل ، وكتموا في سريرتهم ما لا يعلمه إلا هو.
ضبط النفس وكظم الغيظ، وخلق العفو ، سمات طبع عليها حبر الدولة وشواهد ذلك اكثر من ان تحصى .
واحد من المواقف يتعلق بمواطن راجع وزير الداخلية في حكومة الرفاعي , للحصول على رخصة مقيدة قانونا ، محظورة شرعا ، ومنكرة عرفا ، فما كان من الوزير إلا قرع المراجع ايما تقريع ، ثم طرده من المكتب يجر اذلال الخيبة .
لاحقا عاتب الرفاعي بصفته رئيسا للوزراء عاتب وزير الداخلية ، قائلا : ان نسبي رفاعي و انت نسبك قادري ، إلا ان الحكم لا يتسع لهذا التقريع العنيف ، ارفض الطلب بجرة قلم، ودع الخلق للخالق ، ان الجلوس على كرسي الوزراة و القول للرفاعي : لا يحتمل ارتداء حلة الطريقة الذي نفخر بها على النحو التي اتيتَ به ، بعض الرفق (إن الله رفيق يحب الرفق …) استجاب الوزير لطلب الرئيس ، قانعا بحكمة الرفاعي ، و اكتفى بالحد الذي ناله طالب الترخيص من التقريع ، ورفض الترخيص .
الرفاعي حبر دولة بكل ما تحمله الكلمة ، هو بالمرصاد لأي رواية مبهمة او مضللة ، تصدى بالحجة و البرهان الهاديء والمعلومة الموثقة ، لروايات هيكل ، و لم يستطع الأخير بأرشيفه الذي التهمته النيران ، الرد على حبر هذه الدولة الذي القم هيكل حجرا في فمه ، أسكته إلى غير رجعة .
آثر الرفاعي ألا يكتب مذكراته السياسية ، وكأن لسان حاله يقول،مقولة الفيلسوف الزاهد محمد بن عبّد الجبار النفّري ( كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة) وهذا راي يحتمل الصواب ، و لصاحب الدولة ، وحبر اسرارها الكثير من المآثر التي يجب ان تخرج إلى النور ، من ادراج الحبر المغلقة ، وهو راي آخر يحتمل الإصابة.