أوراق دولية على طاولة المفاوضات !!!
غريب ما يقوم به نتنياهو فى ادارته ازمة عميقة ادخل الجميع فيها بدون مخرجات واضحة، فهو يقوم باتخاذ مواقف ليس اهلا لها في خضم سير الأحداث السائدة حتى ان اسرائيل غير قادرة اصلا على التعاطي معها في مسرح الميدان حتى في إطارها المحدود فى قطاع غزة فهو يقوم باتخاذ قرارات استندت لأحلام يقظة و بناءا على أساطير خرافية لا تستند الى معلومات واقعية لا من حيث تداعيات المعركة التي تدور رحاها على كامل قطاع غزة بدلالة المعارك التى لم تقف عند خان يونس ورفح فحسب بل تجاوزت بحدودها الى غزة المدينه والى بيت حانون في شمال قطاع غزة وهذا ما يعنى عدم سيطرة الة الحرب الاسرائيلية على مناطق احتلالها الاولى على الحدود الشمالية المتاخمة لمداخل القطاع مع بداية الاجتياح البرى.
إلا أن نتنياهو يحاول اسقاط الورقة التفاوضية بما تتضمنه من اساطير باعتبارها نتيجة مؤكدة متناسي انه يتعامل مع مشهد معلوم لدى الجميع بطريقة لكون قراءته ليست حكرا عليه و لا يقراءه غيره ويصر على صحة قراءته حيث قام بتقديم ورقة تفاوضية على طاولة باريس نسفت اللاءات الأربعة الامريكية التى بينتها كاميلا هاريس منذ بدء معارك الحرب البرية والتي أكدت عبرها على "لا للاحتلال ولا للتهجير ولا للاقتطاع ولا لحكم حماس" حيث جاءت ورقة نتنياهو إلى باريس مغايرة للارضيه الامريكية عندما أخذت تقدم اشتراطات لا تستند للإطار الموضوع وتستند فى مضمونها لأساطير خرافية ورؤية ما يراد تحقيقه قبل الوصول الى اطرافه وهو ما يجعلها غير موضوعية كونها لا تقرأ من نتائح المعارك الدائرة كما لم يتم تصميمها لغايات تفاوضية تفضي الى تسوية وتسعى لطي صفحة حرب غزة بناءا على سير المعارك التى تتكبد بها آلة الحرب الإسرائيلية خسائر جسيمة فى كل مواقعها الحربيه على امتداد سير المعارك الدائرة من اقصى الشمال الى خان يونس ورفح.
وبهذا تكون الورقة التفاوضية التى قدمها نتنياهو على طاولة مفاوضات باريس ليست صالحة للحل إنما صالحة لشراء مزيد من الوقت عندما راحت تحدد مساحات السيطرة على حدود قطاع غزة وتريد.فرض سيطرة كاملة على محور رفح وعلى كامل الحدود البحرية بحيث تكون الحدود البرية اسرائيلية بمشاركة القوات الامريكية والمصرية وهو ما يعني أن ورقة نتنياهو التى قدمت على طاولة باريس لا تستهدف للتفاوض لغايات التسوية بقدر ما تعني ورقة اذعان قد تكون صالحة لأي شيء إلا للقراءة و بيان الكتابة.
ويبدو ان بيت القرار السياسي فى تل ابيب لم يقف عند الظروف العسكرية الميدانية التي تؤكد قراءتها على ذمة نيويورك تايمز وجود اكثر من خمس الاف مقاتل فلسطيني في شمال القطاع ووجود أكثر من عشرة آلاف مقاتل فلسطيني فى رفح وحدها عداك عن خان يونس وهم مازالوا يقدمون وجبات عسكرية منظمة في مجابهة آلة الحرب العسكرية الوحشية، وهذا ما يضع علامة استفهام حول القراءة الأمنية التى وقف عليها نتنياهو عند قراءته للمشهد الكلي.
وهى التي كان من المفترض ان لا تقف حدودها عند الدواعى الإنسانية التى وقفت عليها حشود الرهائن الفلسطينية فى رفح والقيام من واقع اتخاذها ورقة ارتهان تفاوضية وتهديد بالترحيل بعدما قامت بترويع المواطنين العزل وتجويعهم بطريقة تؤكد على سياسة حرب الإبادة المنتهجة وهى ما تعتبر ورقة جوفاء لا قيمة لها فى المعارك العسكرية الدائره حتى لو تمت عملية التهجير وتم فتح بوابة رفح بقرار ... لأن قرار الميدان سيبقى بيد المقاومة الفلسطينية والنصر على يدها قادم بإذن الله وكلها ثقة من تحقيق حلم الشعب الفلسطيني بالتحرر والاستقلال ومن خلال تجسيده بحلم إقامة الدولة بالاستفادة من المتغيرات السياسية السائده والتعددية القطبية التي أصبحت ماثلة .
واكاد اجزم بان ورقة نتنياهو بالتجويع والترحيل لا وزن لها عند عموم الشعب الفلسطيني الذى مازال يجابه الموت من الجوع بصبر الاحتساب ويواجه الة العدوان بصمود اسطوري منقطع النظير ... اما قوات المقاومة الفلسطينية فهى مازالت تقدم صمود استثنائي في الميدان العسكري كما فى المواقف السياسية، وهى من قامت بوضع اشتراطات الدخول لمفاوضات باريس من على ارضية افساح المجال امام قوافل الإغاثة من الوصول لشمال القطاع وبيان الحديث عن خروج القوات الإسرائيلية من القطاع قبل التحدث عن وقف إطلاق النار!؟.
فمن المعلوم للجميع أن الذى يقرر الإطار الناظم للعملية التفاوضية هي نتائج العمليات الميدانية والتى مازالت تدور في خانة محدودة ولم يتم استخدام الاستراتيجية الواسعة للمقاومة فى دوائر مكامن الذخيرة العسكرية بمواردها النوعية ونماذج عملياتها الاستشهادية عندما ستقوم المقاومة الفلسطينية من توسيع نطاق عملياتها العسكرية لتشمل دائرة الاستهداف الكامله من صفد الى ايلات وتوسيع دوائر الاشتباك المسلح لتصبح اقليمية اذا لم تصبح ورقة نتنياهو صالحة للقراءة كما يجب وتقوم باحترام نتائج محكمة لاهاي واحترام القانون الدولي كما ينبغي.
فالوقت بدأ يقترب من ساعة الصفر فى رمضان المحدد ضمنيا بين واشنطن وموسكو لإنهاء الحرب على غزة وهو ما نقله ماكرون للرئيس بايدن وهى الساعه الصفرية التي قد تتغير فيها قواعد الاشتباك لتكون اقليمية كما انه ذات التوقيت الذي يبدو غير مناسب ايضا للبيت الأبيض الذى دخل فى مناخات شد وضغط انتخابي فى ظل تنامى التحرك الشعبي المناوئة لحرب غزة وضغط دولي معارض لسياسة تل أبيب فى التعاطى مع انزلاقه في وحل غزة بعدما قام باستنزاف قدرات اسرائيل الكلية الامنية منها والعسكرية والدبلوماسية والاقتصادية وتضغط تداعياته على شعب اسرائيل المعيشية كما أخذت تؤثر تداعياته على جميع الأطراف المحيطة بشكل مضطرب نتيجة حالة التعنت والصلف الذي يتبعها نتنياهو فى الوصول الى نقطة انتصار مازالت غير موجودة إلا في مخيلته وحدة .
وهو مازال بعيدا كل البعد عنها ميدانيا وسياسيا، الأمر الذي يستدعي من بيت القرار الاسرائيلي اعادة بيان أهليته السياسية عن طريق وجود حكومة جديدة من دون عملية مماطلة تذهب بالمجتمع الاسرائيلي لانتخابات تحتاج لعدة أشهر ستتعدى فيها إسرائيل المرحلة الانتخابية الامريكيه والرئاسة الحالية للرئيس جو بايدن التي ماتزال تصر على ضرورة الاعتراف بالدولة الفلسطينية حتى لو تم ذلك من طرف واحد كونها السبيل الوحيد لإنهاء الازمة بالمنطقة الأمر الذى يتطلب إشراك بيت القرار الأمريكي بالحاله الاستخبارية والوقوف على الفضاءات الحقيقية لحرب غزة الدائرة من دون تجميل استخباري بدأت تتكشف خباياه حتى يقف بيت القرار الأمريكي على واقع سير الأحداث لبيان الحالة واستخلاص الموقف الذى بالتأكيد هو بعيد كل البعد عن اساطير ورقة نتنياهو واستخلاصاتها التي قدمت على طاولة باريس ورفضت شكلا كونها غير صالحة للقراءة.
وهو ما تم استدراكه فعليا بعد فتح بوابة القاهرة لتعمل بالتوازى مع مفاوضات باريس المركزية التي كانت بحاجة الى رافعة سياسية تقوم على تجسير الهوة بين المقاومة الفلسطينية من جهة وبين الحكومة الإسرائيلية فى الجهه المقابله حتى يقدم الجميع ارضية عمل تستند الى هدنة تفضى لوقف إطلاق النار، وهو ما تم بيانه عبر البوابة الاردنية التي دخلت لاعب رئيس في المشهد العام التفاوضي من أجل إنجاز برنامج العمل الذي كان دعا اليه الأردن بمعادلة "الهدنة التى تفضى الى وقف إطلاق النار" ينتظر أن تبدأ قبل رمضان لمدة ستة أسابيع .
وهو ما يستلزم بناء حكومة تكنوقراط فلسطينية جامعة تحمل شرعية القبول للأطر الدولية والأممية من اجل ايجاد ارضية وقف إطلاق وتسمح بتأمين حماية ميناء قطاع غزة للتأكيد على فلسطينيته فى ظل الالتزام المصرى باتفاقية كامب ديفيد ووجود بديل تمثله المبادرة التركية التى تقودها للعب دور الضامن وتجعلها تقطع الخط على اسرائيل في إعادة احتلال ميناء غزة الذي يزخر بالغاز والموارد الطبيعية على ان يأتى ذلك كله في إطار تسوية مقبولة تقدم مشروع فلسطين "الدولة" كما تقدم الأمن لإسرائيل من أجل بناء علاقات طبيعية بين إسرائيل ودول المنطقة فى المقام الثانى، وهى الموضوعات التي ستكون محط اهتمام قمة الملك عبدالله والرئيس الفلسطيني محمود عباس في عمان .
تناوب جسر التفاوض بين مركز عمان والقاهرة لتعول عليه واشنطن في دعم المفاوضات الجارية فى باريس من أجل وصول الجميع لاستخلاص مفيد ينزع فتيل الأزمة في المنطقة ويقدم جملة بيان تخفف من حالة الصدع الذي ألم في قمة العشرين المنعقدة في ريو دي جانيرو البرازيلية وترفع الحرج عن امريكا امام محكمه العدل الدوليه وتلزم الأطراف الفلسطينية والاسرائيلية بوقف الحرب واتباع التفاوض السلمي كوسيلة وحيدة لانهاء الازمة التى اصبحت تشكل معضلة سياسية حتى داخل بيت القرار الأمريكي، وهو ما يجعل من القضية الفلسطينية نقطة اشتباك اممية تتقدم خلالها أوراق دولية على الطاوله التفاوضية .
د.حازم قشوع