دارة الفنون تستضيف الدكتورة تحرير حمدي للحديث عن "تخيّل فلسطين كفعل مقاوم" .
- أُسَيْد الحوتري
.
عقدت دارة الفنون مساء أمس السبت الموافق ٢٤ فبراير ٢٠٢٤، في مقرها الكائن في جبل اللويبدة محاضرة باللغة الإنجليزية للأستاذة الدكتورة تحرير حمدي تحدثت فيها عن تخيّل فلسطين كفعل مقاوم
(Imagining Palestine as an Act of Resistance).
أوضحت الدكتورة حمدي أن عملية تخيل فلسطين كدولة عربية ديمقراطية حرة مستقلة من النهر إلى البحر يعتبر بحد ذاته شكلا من أشكال المقاومة. إن مجرد إطلاق العنان لهذا الشكل المتخيل لفلسطين يعد تحديا للواقع الذي فرضه المحتل الصهيوني على الفلسطينيين حاليا، والمتمثل في الإبادة في غزة واللادولة في الضفة، وتحديا آخر لحل الدولة الفلسطينية المستقبلية منزوعة السلاح على أراضي فلسطين ١٩٦٧ التي تروج لها القوى الإمبريالية العالمية والإنهزامية العربية. بالإضافة إلى هذا التحدي الذي يمثله تخيّل فلسطين، يضيء التخيل أيضا جذوة أمل بمستقبل مشرق بخلاف الواقع المظلم الذي يعيش فيه الشعب الفلسطيني والذي تتجلى أبشع صوره اليوم في الحرب على غزة، تلك الحرب التي تسعى إلى تفريغ الأرض عن طريق الإبادة الجماعية ومحاولة التهجير المستمرة للفلسطينيين عبر استهداف كل القطاعات الحيوية في غزة منذ ما يزيد على أربعة أشهر.
بيّنت الدكتورة حمدي أن تخيل فلسطين يتم عبر طرق عدة كالأعمال الفنية بكافة أشكالها كالرسم والنحت والتصوير الفوتوغرافي والتمثيل والغناء والدبكة، وقدمت د. حمدي الفنان الشهيد ناجي العلي مثالا على الرسام المتخيل لفلسطين المحررة. كما يتم تخيل فلسطين أيضا عن طريق الأدب بأجناسه المتنوعة كالرواية والقصة والشعر، وقُدم كل من إدوارد سعيد، والشهيد غسان كنفاني، ومريد البرغوثي، ورضوى عاشور كأدباء تخيلوا فلسطين حرة مستقلة. هذا وقدمت د. حمدي عرضا مستفيضا عن دكتور اللغة الإنجليزية بالجامعة الإسلامية في غزة الشاعر الشهيد رفعت العرعير الذي تخيل فلسطين حرة مستقلة والذي اغتالته قوات الاحتلال مع مجموعة من أفراد عائلته. إن كل فلسطيني قادر على أن يتخيل فلسطين عربية ديمقراطية حرة ومستقلة من النهر إلى البحر من موقعه، وبحسب ملكته، وموهبته، ومهارته، وقدرته.
هذا وسلطت د. حمدي الضوء على العقلية العنصرية والهمجية التي يتعامل فيها العدو المحتل مع الفلسطيني مشيرة إلى خطاب (نتنياهو) الذي حمل مرجعية توراتية حث فيها الصهاينة على قتل وتدمير كل ما هو فلسطيني من بشر وشجر وحجر حتى البهائم لم تسلم من التحريض على قتلها.
في نهاية المحاضرة توجهتُ شخصيا بسؤال إلى الدكتورة حمدي عن كيفية جسر الهوة بين فلسطين المتخيلة وفلسطين في واقعها الحالي. أوضحت الدكتورة أن المقاومة بكل أشكالها: السلمية والمسلحة هي القادرة على جسر هذه الهوة. كما طرحت مثقفة من جمهورية الصين الشعبية مهتمة بالشأن العربي والفلسطيني سؤالا استفسرت من خلاله عن الآلية المناسبة لنصرة القضية الفلسطينية وتعريف الشعب الصيني بحيثياتها، فبينت د. حمدي أن أسهل الطرق لدعم القضية الفلسطينية هي مواصلة الحديث عن فلسطين في وسائل التواصل الاجتماعي التي أثبتت نجاعتها في نشر الوعي وكسب تعاطف شعوب العالم مع القضية الفلسطينية.
وُجِّه سؤال آخر عن فلسطين المتخيلة في ذهن د. حمدي، فأوضحت الدكتورة أنها تتخيل دولة فلسطينية عربية ديمقراطية ذات ثقافة شرقية إسلامية يعيش فيها المسلمين والمسيحيين واليهود جنبا إلى جنب. دولة لا تقصي الآخر ولا تعمل أبدا على التخلص منه. وهذا يتوافق مع ما صرح به المفكر اليهودي (آلان بابيه) شخصيا للدكتورة حمدي في حديث أجرته معه. أما السؤال الأخير فقد كان عن الوضع المأساوي في غزة وقدرة المقاومة على الصمود. أكدت د. حمدي على إيمانها الراسخ بالمقاومة، فالعدو غير قادر على سحقها أبدا لأن المقاومين موجودون في كل دول العالم وليسوا محصورين في الجغرافيا الفلسطينية. ففلسطين قضية إنسانية تتجاوز القطر والعرق والدين،. إن كل من يؤمن بحق الفلسطينيين هو مقاوم، لذلك لا قدرة للعدو على الانتصار على كل هؤلاء المقاومين.
يذكر أنّ الدكتورة تحرير حمدي رئيسة الجامعة العربية المفتوحة في الأردن، وأستاذة في أدب المقاومة والأدب المناهض للاستعمار. حاز كتابها "تخيل فلسطين: ثقافات المنفى والهوية الوطنية"، الصادر عن دار (بلومزبري)، على جائزة كتاب فلسطين عام 2023. كما فازت بجائزة مؤسسة عبد الحميد شومان لعام 2020 لأفضل باحثة في الوطن العربي في العلوم الإنسانية. وهي محررة مساعدة في مجلة الدراسات العربية الفصلية، التي أسسها إدوارد سعيد وإبراهيم أبو لغد عام 1979. كما أنها محرر مشارك في مجلة (يانوس أنباوند). تدور أعمالها البحثية حول أدب المقاومة ونظرية مناهضة الاستعمار وأهمية المكان والمساحة في الأدب. نُشر لها مقالات عن إدوارد سعيد و(وليم بتلر ييتس) ومحمود درويش ومريد البرغوثي وسعدي يوسف وغسان كنفاني وناجي العلي وفلسطين وإيرلندا والعراق. تشمل اهتماماتها البحثية الحالية إنهاء الاستعمار في التعليم في دول الجنوب العالمي، وتعقيدات المكان/المساحة - التاريخي/الزمني والجغرافي والخيالي - في مجالات مناهضة الاستعمار والمقاومة.