أنهلك وفينا الصالحون؟


أ.د رشيد عبّاس
حين قرأت حيثيات إجابة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على تساؤل أم سلمة الكبير: (أنهلك وفينا الصالحون)؟ تساءلتُ متفحصاً لما لم تقل هذه القامة الرفيعة: أنهلك وفينا المصلحون, الامر الذي دفعني للدخول في تدبّر دلالات كلمة (الصالحون) في كتاب الله, وأثناء ذلك انزلقتُ على عتبة كلمة (المصلحون) في بعض سور هذا الكتاب العظيم, وبقيتُ ساعات طويلة بين هذه وتلك, وخرجت مذعوراً من هول الفرق بين هاتين الكلمتين العظيمتين في موضوع الفساد والهلاك في الأرض.
لقد توصلت من خلال تدبّر دلالات كلمة (الصالحون), وتدبّر دلالات كلمة (المصلحون) إلى أن هناك فروق جوهرية بين الصالح والمصلح, وأن الناس تميل إلى الصالح السلبي ولا تحب المصلح الايجابي, لأن ما يدعو اليه من الإصلاح يصطدم برغبات وأهواء وشهوات هؤلاء الناس, كيف لا والناس أحبوا النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة واحتفوا به ولقبوه بالصادق الأمين, ولما بعثه الله برسالته, ودعاهم إلى توحيده, ونبذ ما هم عليه من الشرك كرهوه وحاربوه وأخرجوه من بلده مؤقتاً.. لأنه تحول من صالح إلى مصلح.
اعتقد للأسف الشديد أن الطوائف العامة للإسلام اليوم فريقان: فريق أشتغل بإصلاح غيره وترك إصلاح نفسه, وفريق أشتغل بإصلاح نفسه وترك إصلاح غيره, وكلا الفريقين مخطئ فيما ذهب إليه, وذلك لكون حقيقة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم تمثلت في الاشتغال بإصلاح النفس ثم بإصلاح الغير مباشرة, حيث انه لا معنى لنفس صالحة في مجتمع فاسد, فقد نلحظ وقوع الهلاك العام بالرغم من وجود الصالحين في الأمة, في الوقت الذي يؤكد فيه القرآن الكريم على امتناع الهلاك بوجود المصلحين, قال تعالى (وما كان ربُّك لُيهلك القُرى بظلمٍ وأهلُها مُصلحون), ولم يقل سبحانه وتعالى وأهلها صالحون.
المقاربة الجميلة هنا كانت عند إجابة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على سؤال أم سلمة: (أنهلك وفينا الصالحون) بنعم, ولو كان سؤال أم سلمة: (أنهلك وفينا المصلحون) لكانت الإجابة بـ...لا, ما أكثر الصالحون اليوم.. وما أقل المصلحون! من هنا أمتنا والله أعلم وللأسف الشديد على مشارف هلاك بطريقة ربما تكون مختلفة عن طرق هلاك الأمم والأقوام الغابرة كالغرق و(الطوفان), والريح, والصيحة, والحاصب, والخسف, والجوع والعطش وضيق الأرزاق.  
(أحزابنا) وفِرقنا الدينية, ومدارسنا ودور تحفيظ قرآننا الكريم, ومساجدنا ومناهجنا التعليمية, كلها معنية اليوم قبل غداً بتخريج وتأهيل تلاميذ مصلحون, معتقداً في نفس الوقت أن مشكلتنا في ذلك تقع في جهلنا الشدييييييييييييييد في (تدبّر) كتاب الله.
شكراً (لأم سلمة) وما أدراكم ما أم سلمة, شكراً لها على طرحها مثل هذا التساؤل الرائع على أفضل خلق الله, وشكراً نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لأجابته الحكيمة والبالغة, وعلينا أن نبحث اليوم يا أمة الإسلام عن طبيعة وحيثيات الأسئلة التي وُجّهت لرسولنا الكريم من قِبل صحابته العظام في حياته العظيمة, والكيفيات التي أجاب فيها.., لنُشكّل بذلك أكاديمية العقول النيّرة والمتفتحة, ونفض غبار حلقات العقول المتحجرة والمنغلقة المنغرسة فينا وبيننا.
وهذه دعوة موجّه للفيلسوفة الأمريكية (آين راند) كي تتعلم من (أم سلمة) استراتيجيات طرح الاسئلة الفكرية والتي تبدأ ببعض الحروف, كالحرف(أ) الذي جاء في: أنهلك وفينا الصالحون؟