جو بايدن : لستُ راضياً عن إسرائيل ولن أفعل شيئاً حيال هذا ..
تساءل المحلل والمفاوض السابق في وزارة الخارجية الأمريكية، والزميل البارز حالياً في وقفية كارنيغي للسلام العالمي، أرون ديفيد ميلر عن السبب الذي يجعل الرئيس جو بايدن يكتفي بالنقد لإسرائيل وحكومتها المتطرفة، حتى في الوقت الذي تتواصل فيه الحرب ضد غزة وترفض حكومة بنيامين نتنياهو الإنصات لنصائحه.
وفي مقال نشرته صحيفة "نيويورك تايمز” قال: "يمكن أن يغفر للمرء إذا اعتقد أن كلمات الرئيس بايدن الشديدة عن حرب إسرائيل- حماس في خطاب حالة الاتحاد، وتصريحاته في مقابلة "أم أس أن بي سي”، يوم السبت، كانت بداية لسياسة أكثر نقداً تجاه إسرائيل. وبعد كل هذا، فقد دعا الرئيس لوقف مؤقت للنار، وتحدث بعباراته الأكثر عاطفية حتى الآن عن معاناة وخسائر الناس في غزة. وأرسل رسالة حادة لا لبس فيها بأن سماح إسرائيل بإيصال المساعدات إلى غزة أولوية. وجاءت الدعوات هذه بعد اللقاء الأبرز بين نائبة الرئيس كامالا هاريس وبيني غانتس، منافس رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وخليفته المحتمل، وكان بمثابة رفض لنتنياهو، الذي حرم من زيارة البيت الأبيض".
يرى بايدن حياته السياسية متداخلة مع قصة إسرائيل. خطابه العاطفي وربطه ما بين الخسارة الشخصية وشعب إسرائيل دليل على هذا
ويعلق ميلر بأن التصريحات لا تعلم تحولاً كبيراً في السياسة، فكلمات الرئيس ولقاء نائبته لم يعلما بتغير في السياسة، بل كانا جزءاً من النهج العدواني- السلبي الذي تبنّته الإدارة ضد الحكومة الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل.
ويضيف ميلر أن الرئيس بايدن أرسل عدة رسائل؛ منها توبيخ إسرائيل على القصف العشوائي، وإسقاط المساعدات الإنسانية من الجو، وبناء ممر بحري عائم لإيصال المساعدات، والتي أحبطت أفعال إسرائيل وصولها، وبخاصة نيّتها، في بعض الأحيان، وحتى معارضتها لوصول أي مساعدات الإنسانية إلى القطاع.
وعبّرَ بايدن عن غضب دائم من رفض الحكومة الحد من عنف المستوطنين في الضفة الغربية ومعارضتها للسلطة الوطنية وأي دور لها في غزة، و”لكنه رفض وبثبات فرض تداعيات حقيقية على إسرائيل”. ويجب أن لا نكون مخطئين أن سياسة "لست راضياً عن إسرائيل ولكنني لن أفعل الكثير” هي سياسة بايدن، ونابعة من مشاعر بايدن المؤيدة لإسرائيل، وكذا السياسة وخيارات السياسة التي يواجهها في الحرب الحالية.
ويعرف الرئيس بالتأكيد أن هناك ثمناً سيدفعه في داخل الولايات المتحدة وخارجها، لأنه سمح لنتنياهو التعامل بخشونة مع مصالح وقيم الولايات المتحدة، وهنا تكمن معضلة بايدن.
ويعتقد ميلر أن الطريقة التي يمكن من خلالها فهم رفض الرئيس فرض ثمن على إسرائيل يبدأ من رابطته القوية مع الدولة اليهودية. ففي بداية مسيرته السياسية، كسناتور شاب، زار إسرائيل في عمر الثلاثين عاماً، كان من السهل الارتباط بإسرائيل وكفاحها للدولة ونجاتها في حوار معاد. وفي السنوات اللاحقة، استعاد بايدن ما قاله والده عن الهولوكوست، ومخاطر السكوت في وجه الشر. ولا يوجد هناك رئيس أمريكي مثله وَصَفَ نفسه بالصهيوني، ولم يدخل البيت الأبيض شخص قال إنه لو لم تكن هناك إسرائيل "فعلينا خلقها”.
وباختصار؛ يرى بايدن حياته السياسية متداخلة مع قصة إسرائيل. وكان خطابُه العاطفي الذي ألقاه بعد هجمات "حماس” وزيارته لإسرائيل بعد عشرة أيام من بداية الحرب، وربطه ما بين الخسارة الشخصية وشعب إسرائيل، دليلاً على هذا.
ويعلق ميلر بأن حب بايدن لإسرائيل لا يشمل رئيس الوزراء الحالي، ومع ذلك ظل موقف بايدن، حسب كاتب سيرته إيفان أوسنون، قائماً على عدم مواجهة نتنياهو، بل والعمل معه قدر الإمكان. وكان حريصاً عندما عمل نائباً للرئيس باراك أوباما بعدم الضغط على نتنياهو حتى لا تتعثر العلاقات.
وقد حدث تحولٌ في آراء بايدن بعد زيادة الضحايا بين الفلسطينيين، وتحول الوضع الإنساني في غزة إلى كارثة. وقيل إن الرئيس عَنَّفَ نتنياهو في المكالمات الخاصة. وربما بات بايدن يفهم الآن يأس نتنياهو المتمسك بالسلطة، وإن كان هذا على حساب المصالح الأمريكية. إلا أن بايدن ليس مستعداً لوقف الدعم العسكري أو وضع شروط عليه، وليس مستعداً في الوقت نفسه للتصويت ضده في مجلس الأمن الدولي، علاوة على الدعوة لوقف دائم لإطلاق النار، إلا في حالة عودة الأسرى الإسرائيليين.
ويقول ميلر إن قصة دعم إسرائيل الشخصية تجادلت مع السياسة المحلية التي عززت من قناعاته المؤيدة لها. وبالنسبة لبايدن وللكثير من الساسة الأمريكيين فقد تماهى الخط بين ما هو جيد لإسرائيل وما هو نافع لأمريكا. فأنْ تكون داعماً لإسرائيل، ليس مجرد وسيلة جبانة للحصول على المال والأصوات، بل أمر نابع من اعتقاد عميق بأن السياسة الجيدة والسياسات الجيدة متشابهة، وأن دعم ديمقراطية أخرى في حوار معاد هو ما يجب عمله. وسجل الرئيس في دعم إسرائيل أثناء عمله بالكونغرس الحافل عزز هذا التداخل.
وفي الوقت الذي انحدرت فيه إسرائيل نحو اليمين خلال الـ 12 عاماً من حكم نتنياهو، وتزايد الاستيطان في الضفة الغربية، وجهوده لتقويض استقلالية القضاء الإسرائيلي، بدأ ركنا العلاقة الأمريكية مع إسرائيل بالانهيار، وهما المصالح والقيم. وفي نفس الوقت يجد بايدن نفسه أمام منعطف سياسي، فقد برز الحزب الجمهوري بالطرف الذي يؤمن بأن إسرائيل مبرّأة من الأخطاء، فيما تمزق الحزب الديمقراطي إلى قسمين، غالبية داعمة لإسرائيل، فيما يطالب عددٌ متزايد من التقدميين الديمقراطيين ومن التيار الرئيس بتحرك مشدد وفرض قيود على نتنياهو. وتعكس نتائج انتخابات ميتشغان التمهيدية، وأصوات "غير ملتزم” واقعاً غير مريح لبايدن، ففي سباق رئاسي متقارب، فإن دعمه الثابت لإسرائيل قد يكلفه الانتخابات.
يعرف الرئيس بالتأكيد أن هناك ثمناً سيدفعه في داخل الولايات المتحدة وخارجها، لأنه سمح لنتنياهو التعامل بخشونة مع مصالح وقيم واشنطن
ويعتقد ميلر أن بايدن لن يقوم باتخاذ مواقف محددة ومعادية لإسرائيل وناقدة وشاجبة لنتنياهو على أمل عودة الذي همشوا بسبب مواقفه المؤيدة لإسرائيل إلى الحظيرة. ففي اللحظة الذي يتزعزع فيها دعم بايدن لإسرائيل، سيسارع الجمهوريون بنقده ووصفه بمعاداة إسرائيل، وخاصة في موسم انتخابي يقدم المرشح المفترض نفسه بأنه الأكثر تأييداً لإسرائيل، أبداً. ولا توجد إشارات عن الكيفية التي سيؤثر فيها الضغط المتواصل على نتنياهو على نتيجة الحرب في غزة.
وتظل النقطة الأخيرة المتعلقة برفض بايدن استخدام أوراق نفوذه ضد نتنياهو، وهي أن الرئيس يشترك مع إسرائيل في أهداف الحرب المتعلقة بتدمير "حماس” وإنهاء سيادتها على غزة، رغم ما يشعر به من عدم ارتياح عن الطريقة التي تدار فيها الحرب والثمن الإنساني الرهيب. وما يعقد الوضع الحالي هو أن الحرب الحالية ليست تقليدية، كحرب 1973، يمكن من خلالها للولايات المتحدة استخدام الضغط والإقناع وتحقيق اتفاقيات.
ويقدم الكاتب وصفاً لـ "حماس”، العدو الحالي، بأنها منظمة إرهابية تدعمها إيران، وغير ذلك من الأوصاف المهينة. مشيراً إلى أن الحرب جرت في منطقة ذات كثافة سكانية عالية، وأن "حماس” أدخلت نفسها في السياق السكاني. ولو كان للرئيس بدائل مقنعة حول كيفية إدارة إسرائيل الحرب، وفي هذه الظروف، وبدون أن تتسبّب بضرر للمدنيين لاستخدم ما لديه من نفوذ. وأكثر من هذا؛ فغالبية الإسرائيليين، بمن فيهم غانتس، يدعمون الحرب.
كل هذا يحدّ من قدرة بايدن على الضغط على رئيس الوزراء الحالي. وفوق هذا، يحتاج بايدن لموافقة نتنياهو على اتفاقية تحرير الأسرى مع "حماس” وهدنة مؤقتة تساعده على خفض التوتر وزيادة المساعدات الإنسانية بطريقة أحسن، ووضع حدّ لصور الدمار في غزة ومتابعة اتفاقية تطبيع بين إسرائيل والسعودية. ومع دخول الحرب شهرها السادس، يجد بايدن نفسه وسط مصيدة استثمار من الصعب عليه الفرار منها، فهو غاضب ومحبط من نتنياهو ومؤيد لإسرائيل في الوقت نفسه.