ما سرّ التصعيد الجديد بين الجزائر والمغرب ..؟؟
سالم ولد الشيخ ابّاتو، باحث في الشؤون السياسية من موريتانيا
قد يرى المتابعون للشأن المغاربي أن لا سرّ في التوتّر بين الجزائر وجارتها المغرب. الدولتان في تنافس محموم بما يقتضيه منطق التدافع بين الفاعلين الإقليميين لإثبات الذات والأحقية بالريادة، ومشكل الصحراء المفتعل في سبعينيات القرن الماضي يفضي إلى تعقيد بالغ في تقييم كل بلد لفرص السلم المستدام والمهادنة وحسن الجوار مع البلد الآخر.
يلاحظ في السنين الأخيرة أنّ الجزائر بدت أكثر ارتباكا في تدبير العلاقة التنافسية مع المغرب. يعزى هذا الارتباك إلى أمرين في اعتقادي، أولهما الإيقاع الديبلوماسي المرتفع الذي فرضه مقترح المغرب بحكم ذاتي في الصحراء، إذ أن جدّيته وواقعيته وكونه متساوقا إلى حدّ كبير مع الرؤية الأممية لمآل النزاع تبوّؤ المغرب موقع المالك لزمام المبادرة وصاحب العرض التفاوضي الأشمل لكلّ الممكنات السياسية وليس بعده إلاّ المستحيل السياسي أو استدامة المأزق وتبعاته الخطيرة على أمن المنطقة، سيما وأن تقرير المصير الذي تتشبث به الجزائر وتدفع جماعة البوليساريو إلى اعتناقه كمعتقد لا مندوحة عنه أضحى مطيّة قانونية للتأسيس لكولونيالية جديدة توالت فصولها في شبه جزيرة القرم وإقليم الدومباس شرق أكرانيا.
حاولت جبهة البوليساريو خلخلة الموازين حين أقدمت في نوفمبر 2020 على غلق معبر الكركرات الرابط بين المغرب وموريتانيا بالقوة، فيما يمكن ان يعدّ خطأ استراتيجيا قاتلا أحسن المغرب استغلاله ليباشر خطوات فعلية لتأمين المعبر وتعزيز سيطرته الميدانية دون أن يتهمّ من لدن المنتظم الدولي بعسكرة النزاع، باعتبار أن المعبر الحدودي لا يصل المغرب بموريتانيا فحسب بل هو شريان حياة لاقتصاد متنامي بين أوربا ودول غرب أفريقيا، وقد يمضي ليكون في صلب الأمن الطاقي الأوربي اعتبارا للمشروع الطموح الذي يروم تسيير إمدادات الغاز النيجيري نحو أوربا عبر بوابة المغرب. بالمقابل، هناك مشروع مماثل كانت الجزائر سبّاقة في اقتراحه على نيجيريا في ثمانينيات القرن الماضي لكنّه بقي حبيس الرفوف، ثم نُفض عنه الغبار بعد توقيع المغرب لاتفاق الغاز مع نيجيريا سنة 2016 خلال زيارة تاريخية للعاهل المغربي.
تلت ذلك اعترافات بالجملة لدول أفريقية وعربية بمغربية الصحراء، وباشرت ما يزيد عن أربع وعشرين دولة فتح قنصليات لها في أقاليم الصحراء، وتعزّز الطرح المغربي باعتراف أمريكي في نهاية ولاية الرئيس السابق ترمب في إطار اتفاق ثلاثي استئنفت على إثره العلاقات الديبلوماسية بين المغرب وإسرائيل.
المبعث الثاني على ارتباك الجزائر هو افتقادها لرؤية استراتيجية اقتصادية تؤهلها لمواجهة ما أطلق عليه أحد الخبراء الفرنسيين بموجة "الفتوحات المغربية الثانية" نحو أفريقيا جنوب الصحراء. ولطالما اعترف مسؤولو الجزائر بعجزهم عن مجاراة النسق المغربي في اختراق الأسواق الأفريقية سواء من حيث تمدد مؤسساته المالية وانتقال الرساميل الاستثمارية لدعم المجموعات المغربية المشتغلة في مجال الإسكان وتطوير البنية التحتية.
في 24 أغسطس 2021، قرّرت الجزائر قطع علاقاتها الديبلوماسية بشكل تامّ مع المملكة المغربية. رأى العديد من الملاحظين أن الحجج التي برّرت بها الجزائر هذا القرار لم تكن صلبة، ومنها على الخصوص أن المغرب سمح لوزير الخارجية الإسرائيلي بمهاجمة الجزائر من أراضيه، وأنّ المغرب ضالع في حرائق الغابات التي ضربت منطقة القبائل دون أن تقدّم دليلا على هذا الاتهام خصوصا وأن الحرائق تلك الصائفة اندلعت في عدة دول مثل اليونان وإسبانيا والبرتغال بل والمغرب نفسه.
إذا كان قطع العلاقات بشكل أحادي من طرف الجزائر قرارا سياديا ولا يمكن مناقشته بأي حال، فإنّه بالضرورة يجلّي الارتباك الذي بلغ مداه، لكنه في الوقت ذاته يمنح النظام الجزائري أرضية لتبرير كل خطوة عدائية يتخذها ضدّ المغرب، ومنها التعليمات التي أصدرها الرئيس الجزائري بقطع كل العلاقات الاقتصادية مع المغرب ومحاولته تأسيس تكتل مغاربي دون المغرب يضم ليبيا وتونس وموريتانيا، وقبلها منع الطائرات المغربية من الأجواء الجزائرية.
أمّا التصعيد الأخير فمردّه لإجراء إداري اتخذه المغرب لنزع ملكية مبنى بالعاصمة الرباط مملوك للدولة الجزائرية. احتجت الخارجية الجزائرية على هذا القرار بلهجة شديدة واعتبرته خرقا لاتفاقية فيينا وتوعّدت بـ"الرد بكل الوسائل التي تراها مناسبة". فنّد المغرب المزاعم الجزائرية وذكر أن مقر السفارة الجزائرية يظل في حماية الدولة المغربية طبقا للأعراف ولم تنله إجراءات نزع الملكية علما أنه شيد على أرض وهبها المغرب للجزائر، أما نزع الملكية فكان موضوعه مبنى واحد غير مستخدم محاذي لوزارة الخارجية المغربية تريده لأغراض التوسعة. ولسيت الجزائر معنية وحيدة بنزع الملكية من ممتلكاتها بل كذلك جمهورية كوت ديفوار وسويسرا.
كما كشفت السلطات المغربية أن مفاوضات جرت منذ عامين بين البلدين بشأن نزع ملكية هذا المبنى المهجور وأن الجزائر كانت مطّلعة على الملف من البداية، وكانت الجزائر أيضا قد اتخذت قرارا مماثلا بنزع الملكية عن إقامة السفير المغربي قبل قطع العلاقات لاستغلالها لأغراض عامّة.