مثقفون من غزة والضفة : فزعة هاشمية أصيلة ومُقدّرة
عمر أبو الهيجاء
منذ أن وجه جلالة الملك عبدالله الثاني سلاح الجو الملكي في القوات المسلحة الأردنية بتقديم المساعدات الطبية والدوائية للمستشفى الميداني الأردني في غزة، وهو أقدم المستشفيات في القطاع، لتضميد الجراحات والتخفيف من معاناة الشعب الفلسطيني، تواصلت عمليات الإنزال الجوي في ظل احتدام الحرب الصهيونية الهمجية على غزة هاشم، حيث يمارس العدو الصهيوني حربه الضروس ضد الأهالي في القطاع للشهر السادس.
ويمارس الاحتلال حربا على الأطفال والنساء والشيوخ الآمنين وقتل أكثر من ثلاثين ألفا من الأبرياء، وجرح الآلاف وشرد الكثيرين في ظروف جوية سيئة تفتقد إلى كل سبل الحياة من الدفء والمأكل والمشرب والعلاج . كما يواصل الصهاينة نازيتهم في حرب أخرى هي حرب التجويع في شهر رمضان التي أودت بحياة الأطفال وكبار السن. كل ذلك يأتي في ظل صمت دولي مخز.
الأردن كان الدولة التي تخطت كل الحواجز والحصار المفروض على قطاع غزة منذ سبعة عشر عاما بإنشاء المستشفى الميداني الدائم في القطاع ليكون عونا للإخوة الفلسطينيين في محنتهم بتوجيهات من جلالة الملك عبدالله الثاني الذي أمر بإرسال الممرضات إلى المستشفى في خطوة لم يسبق الأردن إليها أي دولة.
وواصل جلالته الليل بالنهار في كل المحافل الدولية لوقف هذه الحرب البشعة على الأهل في غزة، وشارك بعمليات الإنزال مصرحا جلالته بذلك حين قال في تغريدة له: «هذا واجبنا لمساعدة الجرحى والمصابين الذين يعانون جراء الحرب على غزة».
«الدستور» هاتفت بعض الأدباء من غزة والضفة لتقديم شهاداتهم حول عمليات الإنزال الجوي ودور المستشفى الأردني وتقديم الخدمات الطبية والعلاجية، وإرسال ممرضات إلى غزة كأول دولة تقدم على الخطوة المهمة.
في هذه الحلقة ستكون شهادات لـ: الروائي سعيد أبو عزة، الباحث والكاتب السياسي الدكتور عمر حلمي الغول، الشاعر الإعلامي أحمد زكارنة.
جيش النشامى
في شهادته يقول الروائي سعيد أبو عزة: لم يكن غريبا على الأردن الشقيق بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني وبكل مكوناته تسيير جسر من قوافل المساعدات الإنسانية إلى غزة حيث تجاوز الحدود خلال وقفة هاشمية صادقة تجاه الأهل المحاصرين في غزة عبر جيش النشامى الذي انطلق منذ الإشارة الأولى لتسيير وإنشاء المستشفى الأردني الميداني جنوب قطاع غزة للمساهمة في تطبيب جراح الناس بأيد هاشمية.
وأضاف: هذا عهدنا بالهواشم الكرام لنصرة فلسطين وأهلها خلال عشرات السنوات على طول الاحتلال الإسرائيلي وما قبله من علاقة الجيرة والنسب والأخوة. اليوم يهُب جلالة الملك عبدالله الثاني وأبناء الشعب الأردني الشقيق لنصرة أهل غزة الذين يعانون الجوع جرّاء الحرب الصهيونية الشرسة التي يقودها بنيامين نتنياهو.
وأكد أبو عزة: هكذا عهدنا الملك وسلالته البهيّة، الابن والأب من قبله، تواقين للخير، ذوي عزم قوي شديد، سباقين للعون، ذوي جوار حسن وبهي، حراس المسجد الأقصى، إنهم الهواشم الكرام.
وأشار إلى أن الغزّيين تلقوا بكل الحُب والامتنان عملية إنزال المساعدات الإغاثية التي قام بها طائرات صقور الجيش العربي حيث قامت بإنزال المساعدات من خلال استهداف أحد عشر موقعاً على ساحل غزة الحزين وشماله المنكوب. ولا ينسى الفلسطينيون وصول ولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله الثاني في العشرين من تشرين الثاني الماضي على رأس فريق الجيش الأردني الذي حط في مطار العريش مصري للإشراف على عملية تجهيز وإرسال «المستشفى الميداني الخاص 2» إلى جنوب قطاع غزة.
ولفت إلى دور المستشفى العسكري الأردني الميداني بسعة 41 سريرا، الذي يتكون من أقسام الطوارئ، والباطنية العامة، والعناية الحثيثة، والرجال، والنساء، والخدج بسعة 41 حاضنة، والنسائية والتوليد، إضافة إلى مختبر وصيدلية وتصوير أشعة وغرفة تعقيم، وغرفتي عمليات لإجراء العمليات الجراحية العاجلة. كما يضم المستشفى فريقا طبيا وتمريضيا وإداريا يتألف من 145 شخصا، يتولون تخصصات «الجراحة العامة، وجراحة الشرايين، والأعصاب، والصدر، والمسالك، والتجميل، والعظام، والأطفال، والوجه والفكين»، ما أضفى السعادة على وجوه الجرحى وذويهم، حيث إن هذه التخصصات الطبية ذات أولوية بعد أن هدم جيش الاحتلال الصهيوني أغلب المرافق الصحية في كافة أنحاء غزة.
وشدد أنه كان لمشاركة جلالة الملك عبدالله الثاني في عمليات الإنزال طيب الأثر في نفوس أهل غزة، الأمر الذي ساهم في تخفيف التداعيات الإنسانية الخطيرة، بجانب موقفه الشجاع والحاسم تجاه القضية الفلسطينية وتحركاته الدبلوماسية وتصريحاته التي تؤيد إيجاد أفق سياسي للفلسطينيين يؤدي إلى إقامة دولة فلسطين على الأراضي التي احتلتها إسرائيل منذ حرب عام 1967 بما في ذلك القدس الشرقية.
وقال أبو عزة: يتلقى المواطنون في غزة المحاصرون الجوعى، بكل اعتزاز، تصريحات جلالة الملك الذي يؤكد ضرورة فتح المعابر البرية والتوسع في عمليات الإنزال الجوية لدعم الأهل في غزة وخاصة في شمال غزة المنكوب. ويأمل أهل غزة أن يبقى الأردن مركز إشعاع إنساني وسياسي لدعم الأهل ومركزا إقليميا لإرسال الإمدادات الإنسانية ولمساندة أهل القطاع.
وأضاف: يبتهج الغزيون داخل المستشفى الميداني الأردني، في جنوب غزة، حيث السمرة العربية النشمية بابتسامة عريضة في كافة أقسام المستشفى المتعددة من ممرضين وممرضات وأطباء للتخفيف من معاناة أهل غزة الصحية المتفاقمة.
وأكد أنه ما زال المستشفى الأردني الميداني العسكري في قلب الغزيين حيث افتتح في غزة مطلع 2009، ويستقبل من 1000 إلى 1200 مراجع يوميا، وهو يُدار من قبل فرق طبية وفنية وإدارية، كما يزود المستشفى مع بداية كل مهمة بالمستلزمات الطبية والعلاجية، لإدامة عمله كونه يقدم خدماته الطبية مجانا.
وأشار أبو عزة إلى أن هذه المواقف والجهود الأردنية هي تعبير صادق ومخلص تجاه قضية شعبنا الفلسطيني العادلة في إنهاء الاحتلال وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، وكذلك إنهاء العدوان الغاشم ووقف حرب الإبادة الجماعية التي يواصل الاحتلال ارتكابها ضاربا بعرض الحائط كافة المواثيق والمعاهدات الدولية.
وختم شهادته بالقول: رغم مرارة العدوان وأوجاعه سيذكر شعبنا هذه الوقفة الأردنية الشجاعة.
موقف حازم
الباحث والكاتب السياسي عمر حلمي الغول يقول في شهادته: مما لا شك فيه أنه منذ اللحظة الأولى للحرب اتخذت قيادة المملكة ممثلة بشخص الملك عبدالله الثاني موقفا حازما لا يحتمل التأويل أو الغموض أو الالتباس، حيث أكد رفض الحرب من حيث المبدأ على الشعب العربي الفلسطيني طالب بالوقف الفوري للحرب على قطاع غزة، ورفض بصوت عال أي عملية تهجير قسرية للمواطنين الفلسطينيين من غزة ومن الضفة، وكذلك أكد مع الشقيقة مصر رفض استقبال أي لاجئ فلسطيني، وأكد عدم قبول نكبة جديدة للشعب الفلسطيني، كما دعا إلى فتح الممرات الإنسانية للسماح لدخول المواد الغذائية والطبية والمستلزمات الطبية والوقود والكهرباء والماء.
وأضاف: كما أكد الأردن بما لا يحتمل التأويل أن الحل الأمثل للقضية الفلسطينية هو الحل السياسي القانوني واستقلال دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية، وقامت قيادة المملكة بالتنسيق المباشر والفوري مع الرئيس محمود عباس بشأن الخطوات الواجب اتباعها، وتمت المبادرة للدعوة لعقد مجموعة من القمم المصغرة مع الأشقاء العرب ومع العرب والأمريكان في جهد متميز بهدف الضغط على واشنطن وأوروبا وإسرائيل لوقف الحرب.
وأشار الغول إلى أن الأردن أرسل بالطائرات أدوية ومستلزمات طبية للمستشفى الميداني الأردني في غزة وشارك جلالته فيها، كما أرسل الممرضات أيضا، مؤكدا أنه ليس غريبا على الفلسطينيين هذه المواقف المشرفة للأردن قيادة وشعبا.
ولفت إلى أن الأردن لا يتعامل مع الملف الفلسطيني، بوصفه ملف بلد شقيق أو مجرد جار، ولكن باعتباره ملفاً وطنياً خالصاً، تحديداً في البعدين الاجتماعي والدبلوماسي. وبناء عليه، شكلت هذه الحرب أحداثاً مؤلمة للأردني كما للفلسطيني، وهو ما دفع الجانب الدبلوماسي الأردني للعض على أصابع ألمه، بغية الخروج بأقل الخسائر الممكنة من هذا العدوان الهمجي الوحشي ضد شعبنا في القطاع والضفة على حد سواء.
وتابع بالقول: ذهبت الدبلوماسية الأردنية لاتخاذ عدد من الخطوات التصاعدية اللازمة على الجبهة السياسية، تتمثل في التالي: التشديد على أن ما يجري من عملية عسكرية إنما يعد عدواناً عسكرياً من محتل ضد الشعب المدني الواقع تحت الاحتلال، واتخاذ موقف سياسي واضح من العدوان، يشير إلى حقيقة أن أحداث السابع من تشرين الأول ليست بداية المشكلة، ولكنها أحد تجليات أسبابها المتراكمة منذ أكثر من خمسة عقود مضت، واتخاذ خطوة دبلوماسية إجرائية عبر سحب السفير الأردني من تل أبيب، وإبلاغ الطرف الآخر بعدم ترحيب المملكة بعودة سفيره ما لم يتوقف العدوان الوحشي على القطاع، وتوقف الاعتداءات المستمرة من قبل قطعان المستوطنين في الضفة الغربية، وإقرار البقاء على المستشفى الأردني الميداني، وتزويده بكل ما يلزم للقيام بدوره تجاه شعبنا الفلسطيني في القطاع، فضلاً عن العملية الجوية لإيصال المعونات إلى مستحقيها في مثل هذه الظروف الأمنية المعقدة.
أشقاء الروح
الشاعر والإعلامي أحمد زكارنة أكد في شهادته على دور الأردن وجلالة الملك عبدالله الثاني بتوجيهاته السامية لصقور سلاح الجو الملكي الأردني بعمليات الإنزال وإغاثة الشعب الفلسطيني في غزة ومشاركا بالعمليات كسرا للحصار على الأهل في غزة الأبية، وإرسال الممرضات إلى المستشفى الميداني الأردني، الذي تم تأسيسه منذ سنوات في غزة وبقي طيلة الحروب بكوادره من الأطباء والممرضين والممرضات النشامى والنشميات، مؤكدا أن هذا ليس غريبا على أشقاء الروح في الأردن، ففلسطين والأردن إخوة في الدم وجسد واحد لا ينفصل.
وأشار إلى رفض المملكة لكافة الصياغات المقدمة لتبرير الجريمة، حيث استطاعت الدبلوماسية الأردنية صياغة خطاب سياسي شكل رافعة مهمة لتوضيح حقيقة الحدث ومعناه أمام المجتمعات الغربية، فكان خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني الركيزة الأولى التي بنت عليها الدبلوماسية الأردنية رسائلها سواء في الأمم المتحدة، أو في المحافل الدولية الأخرى.
ولفت إلى أن سحب السفير الأردني من إسرائيل من الخطوات المهمة والشجاعة التي تعبر عن الموقف الأردني المناصر للشعب الفلسطيني وقضايا أمته.
وأكد زكارنة أنه أمام الحدث الجلل، والدور الأردني المسؤول منذ بداية الحرب، فإن الفلسطينيين يأملون أن تثمر الجهود والمواقف الفعالة التي تقودها المملكة على كافة الصعد باتجاه الانتصار للدم الفلسطيني النازف، بداية من ضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار، ودخول كافة أشكال المساعدات لشعبنا المكلوم في القطاع على وجه التحديد، مروراً بضرورة ملاحقة مجرمي الحرب في دولة الاحتلال، ووصولاً إلى إقامة الدولة الفلسطينية العتيدة وعاصمتها القدس.
الدستور