صحيفة فرنسية : إرسال المساعدات عبر البحر أو الجو إلى قطاع غزة ليس بديلا للطريق البري
أشارت صحيفة "ليبراسيون” الفرنسية إلى أن المجتمع الدولي لجأ إلى عمليات الإنزال الجوي والبحر للتحايل على القيود الصارمة التي تفرضها إسرائيل على المساعدات والطرق البرية المؤدية إلى قطاع غزة. لكن أساليب "الملاذ الأخير”هذه غير فعالة ومكلفة، بل وخطيرة.
في قطاع غزة، محاولة إطعام عائلتك يمكن أن تكلف حياتك، تقول "ليبراسيون”، فقد أعلنت حكومة حماس يوم 26 مارس/ آذار الجاري، أن 12 شخصاً غرقوا في البحر الأبيض المتوسط أثناء محاولتهم انتشال مساعدات إنسانية أسقطتها طائرة قبالة شاطئ بيت لاهيا شمالي القطاع، وتوفي ستة آخرون من سكان غزة جراء ”عمليات تدافع” اندلعت في جزء آخر من القطاع، حيث يضطر بعض السكان إلى تناول طعام الحيوانات أو حتى العشب من أجل البقاء أحياء، توضح "ليبراسيون”، مضيفة أنه من الممكن أن تندلع المجاعة هناك في وقت مبكر من شهر مايو/ أيار الجاري. وحذرت سيندي ماكين، المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي، من أن "سكان قطاع غزة يموتون من الجوع الآن”، قائلة "إن السرعة التي ضربت بها أزمة الجوع وسوء التغذية التي هي من صنع الإنسان، في غزة أمر مرعب”.
وتتابع الصحيفة القول إن الحكومة الإسرائيلية تواصل تقييد دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع المحاصر، تحت أنظار المجتمع الدولي. وبسبب هذه القيود المفروضة منذ أشهر، يواجه سكان غزة نقصا في الغذاء، بما في ذلك المواد الغذائية الأساسية، وكذلك المياه والدواء. فمنذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر، لم تتمكن سوى بضعة آلاف من الشاحنات من عبور الحدود مع مصر، تحت مراقبة مشددة، لتوصيل المواد الغذائية إلى القطاع. وهو ما يُشكل "قطرة في محيط”. وفي مواجهة هذا الوضع المأساوي، لجأ المجتمع الدولي إلى بدائل الفرصة الأخيرة من خلال توزيع الغذاء جواً وبحراً. ولكن تسليم المساعدات يواجه عقبات عديدة، سياسية ولوجستية.
الطريق البري
مضت "ليبراسيون” موضحة أنه قبل 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، كان قطاع غزة يخضع بالفعل لحصار شديد تفرضه إسرائيل منذ عام 2007. وبسبب ارتفاع معدلات البطالة والفقر المدقع وانعدام الأمن الغذائي، اعتمد أربعة من كل خمسة أشخاص على المساعدات الإنسانية. وقد تدهور الوضع بشكل كبير بعد هجوم حماس على الأراضي الإسرائيلية. ولم تسمح الدولة العبرية لأول قافلة إنسانية بدخول القطاع إلا بعد أسبوعين من بدء الأعمال العدائية. ومنذ ذلك الحين، بدأت المساعدات تتدفق.
يجب أن تمر المساعدات أولاً بنقطة تفتيش إسرائيلية، قبل المرور عبر إحدى نقطتي التفتيش الواقعتين بالقرب من الحدود مع مصر -رفح وكرم أبو سالم- حيث تصطف طوابير طويلة من الشاحنات المملوءة بمختلف المنتجات (أغذية، مستلزمات النظافة، المياه، مواد البناء، الوقود، خزانات الغاز، وغيرها) وتنتظر أحيانا لعدة أيام، حتى تتمكن من عبور الحدود.
الموضوع المطروح هو: الضوابط الأمنية الإسرائيلية الصارمة التي تهدف إلى منع دخول أي منتجات يمكن أن تستخدمها حماس. وتقول اليونيسف: "يجب أن تخضع الشاحنات المحملة بالإمدادات لعمليات تفتيش عديدة قبل دخولها إلى غزة، الأمر الذي يبطئ بشكل كبير المساعدات الإنسانية”. وحتى بعض الإمدادات الحيوية تخضع للقيود. على سبيل المثال، رفضت السلطات الإسرائيلية السماح للمولدات الكهربائية وخزانات المياه القابلة للنفخ وحتى زجاجات الأكسجين بالدخول إلى القطاع. وتواجه المنظمات الإنسانية أيضا تحديات لوجستية أخرى بسبب القتال: تدمير الطرق، والمستودعات غير الصالحة للاستخدام، وانقطاع الاتصالات.
في حوالي ستة أشهر، تمكنت 18 ألف شاحنة مساعدات تحمل ما يقرب من 350 ألف طن من المساعدات من دخول قطاع غزة، وفقًا لأرقام منسق الأنشطة الحكومية في الأراضي الفلسطينية (كوغات). وتشير وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، إلى أن أقل من 100 شاحنة دخلت إلى القطاع في المتوسط يوميا خلال شهر مارس/ آذار الجاري، مقارنة بنحو 500 شاحنة قبل بدء الحرب الإسرائيلية.
ويزداد الوضع إثارة للقلق في شمال قطاع غزة، حيث يعيش 300 ألف شخص، وحيث لا يتم توزيع أي مساعدات تقريباً. وفي ظل ضغوط دولية متزايدة، فتحت إسرائيل طريقا جديدا يعرف باسم "بوابة 96” في أوائل مارس/ آذار الجاري لإرسال الإمدادات إلى هذه المناطق المعزولة. ومن بين الطلبات العشرة للوصول إلى هذا الجزء من الأراضي خلال الشهر الماضي، تقول الأونروا مع ذلك إنها تلقت ردودا غير مواتية من السلطات الإسرائيلية. ولم تتمكن أي من البعثات الثلاث المرخصة من توصيل الطعام، تُشير "ليبراسيون ”.
وللتغلب على هذا الحصار البري، لجأت دول مثل الولايات المتحدة وفرنسا وبلجيكا والأردن والإمارات إلى عمليات الإنزال الجوي منذ بداية شهر مارس/آذار، حيث تم إسقاط طرود كبيرة تحتوي على آلاف الوجبات وزجاجات المياه أو منتجات النظافة من الجزء الخلفي للطائرات، قبل أن تتحطم في المنطقة التي تم قصفها. وفي 21 مارس/ آذار، أكدت فرنسا أنها نفذت أكثر من عشر عمليات من هذا النوع، مكّنت من إيصال أكثر من 100 ألف وجبة إلى سكان غزة.
ومع ذلك، فإن هذه التقنية غير فعالة ومكلفة وخطيرة. في 8 مارس/ آذار، أدى سقوط حزمة إنسانية في مخيم الشاطئ للاجئين، غربي مدينة غزة، إلى مقتل خمسة أشخاص وإصابة حوالي عشرة آخرين. وفي مواجهة هذه المخاطر، تطالب حكومة حماس الآن المجتمع الدولي بوضع حد لهذه العمليات، وتدعو الغرب إلى ممارسة الضغوط على إسرائيل لحملها على فتح الطرق البرية على نطاق أوسع.
كما أن إرسال المساعدات الإنسانية جواً بعيد كل البعد عن تلبية جميع احتياجات السكان. وحتى أكبر القطرات نادراً ما تتطابق مع 16.5 طناً من المساعدات التي يمكن أن تحملها شاحنة. ناهيك عن أن رحلة تستغرق ساعتين على متن طائرة نقل من طراز C-130 بين الأردن وقطاع غزة تكلف ما لا يقل عن 30 ألف دولار، وتتطلب طاقماً مكوناً من تسعة أفراد، بحسب صحيفة "وول ستريت جورنال”.
الإنزال البحري
إلى جانب الطريق البري والإسقاط الجوي، أضيفت فكرة الممر البحري بين ميناء لارنكا القبرصي إلى قطاع غزة. وبعد ثلاثة أيام من الملاحة، وصل القارب الأول، السفينة Open Arms، إلى سواحل القطاع الفلسطيني في 15 مارس/ آذار، وعلى متنه 200 طن من المواد الغذائية (الأرز والدقيق والبقوليات والسلع المعلبة وغيرها) من المنظمة الأمريكية غير الحكومية World Central Kitchen. وتمكنت السلطات الإسرائيلية من تفريغ الشحنات، بعد أن قامت بتفتيشها بعناية، عبر رصيف مؤقت أقيم في وسط قطاع غزة. وينتظر القارب الثاني، جينيفر أن يكون الطقس مناسبا للمغادرة إلى غزة.
وفي 21 مارس، شارك ممثلون من حوالي 30 دولة ووكالات تابعة للأمم المتحدة ومنظمات إنسانية في اجتماع في قبرص يهدف إلى تأمين التمويل لهذا الممر البحري وفحص قدرته التشغيلية. والهدف هو إرسال "أكبر عدد ممكن من القوارب” إلى غزة، حسبما أكد وزير الخارجية القبرصي كونستانتينوس كومبو، مشيرا إلى "القيود المفروضة على الاستقبال والتوزيع”.
وبهدف ضمان عمليات التسليم المنتظمة، تقوم الولايات المتحدة، التي تواصل بشكل متناقض تسليم الأسلحة إلى حليفتها إسرائيل، ببناء محطة بحرية قبالة ساحل القطاع، والتي يمكن أن تدخل الخدمة في الأول من مايو. لكن إرسال المساعدات عن طريق البحر أو الجو لا يمكن أن يحل محل التسليم البري، كما تصر الأمم المتحدة. وتنتقد تمارا الرفاعي، مديرة العلاقات الخارجية في الأونروا، قائلة: "ما زلنا لا نفهم سبب منعنا من اتباع الطريق الأسرع والأكثر اقتصادا والأكثر فعالية لتوصيل المساعدات. وهذان البديلان رمزيان قبل كل شيء”.