أندريس يستخدم حزنه وموقعه للتأثير على صناع القرار في واشنطن لتغيير سياسته اتجاه غزة
نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال” تقريرا قالت فيه إن الطاهي المعروف خوسيه أندريس يحاول استخدام تأثيره على الحزبين في الولايات المتحدة لتغيير السياسة الأمريكية حول الحرب في غزة.
فقبل أسبوع كان يتنقل بين محطات التلفزة للترويج لكتاب طهي جديد ويشرف في الوقت نفسه على التحضيرات الأخيرة لنقل المواد الغذائية بحرا إلى غزة من خلال منظمته المطبخ المركزي العالمي.
لكنه الآن، وبعد مقتل سبعة من فريقه بغارة إسرائيلية على غزة، يحاول استخدام تأثيره السياسي لإحداث تغيير في السياسة وشن في الوقت نفسه حملة عامة شجب فيها تصرفات إسرائيل في حربها ضد حماس.
ففي يوم الثلاثاء اتصل بالرئيس جو بايدن والذي يعتبره صديقا، في مكالمة هاتفية خاصة، قبل أن يخبر وكالة أنباء رويترز أن سياسة الرئيس في تسليح إسرائيل وإدخال المساعدات إلى غزة "يصعب فهمها”. ودعا أندريس في تغريدة إلى مليون من متابعيه، إسرائيل لـ "وقف القتل الذي لا يميز”. وناقش في مقالين نشرهما بصحيفة "نيويورك تايمز” و”يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، يوم الأربعاء أن إسرائيل لا تستطيع الانتصار في الحرب "من خلال تجويع كامل السكان” في غزة. وقال أندريس "إسرائيل هي أفضل من الطريقة التي تشن فيها الحرب”.
وليست هذه المرة التي يتدخل فيها الطاهي المعروف المولود في إسبانيا في السياسة، فقد تبارز مع الرئيس السابق دونالد ترامب لموقفه من الهجرة وخطابه الانقسامي بشأنها، كما وهاجم تردد قادة الكونغرس في توفير الدعم العسكري لأوكرانيا.
واليوم يحاول أن يحدث تغيرا في السياسة من الشرق الأوسط ويدعو واشنطن لإعادة التفكير في صفقات الأسلحة إلى إسرائيل.
وقال النائب الديمقراطي عن ميريلاند جيمي راسكين "لا توجد أي طريقة سيسمح فيها الطاهي خوسيه أندريس لأحد أن يجرها تحت السجادة” و”هذه لحظة ذات انعكاسات دولية في مسار الحرب”. وتقول إسرائيل إن الغارة على قافلة المطبخ المركزي العالمي كانت بسبب "خطأ في تحديد الهدف” ووعد الجيش الإسرائيلي بفتح تحقيق ونشر اعتذارا نادرا، في وقت دعا فيه أندريس الذي أنشأ المطبخ المركزي العالمي في عام 2010 ردا على زلزال هاييتي، إلى تحقيق مستقل.
تأثير أندريس يمتد على الحزبين الرئيسين في الكونغرس حيث أدار ولعقود مملكة من المطاعم في العاصمة مما فتح له الأبواب للتعامل والتواصل مع النخب هناك
وتقول الصحيفة إن تأثير أندريس يمتد على الحزبين الرئيسين في الكونغرس حيث أدار ولعقود مملكة من المطاعم في العاصمة مما فتح له الأبواب للتعامل والتواصل مع النخب هناك. ويحظى باحترام في إسرائيل حيث قام بتوفير الوجبات الساخنة بعد هجوم حماس المفاجئ في تشرين الأول/أكتوبر لآلاف الذين أجلاهم الجيش من البلدات الجنوبية والشمالية. وحظيت منظمته بثناء داخل الحكومة الإسرائيلية، حيث قال مسؤول إسرائيلي: "هي منظمة نقدرها”.
ويعتبر أندريس، 54 عاما، شخصية غير محتملة في عالم دبلوماسية المساعدات الغذائية. فهو طباخ لا يزال يهتم بتفاصيل الوصفات الغذائية التي يقدمها المتطوعون في منظمته لآلاف من الجماهير المتجمعة.
وفي أوكرانيا استجوب الطهاة حول كيفية صنع وجبة البوشت المعروفة لدى الأوكرانيين. وأكد على ضرورة إدخال أكبر قدر ممكن من الخضروات في الحساء المعروف هناك. وهي لفتة قدرها المحليون نظرا لعدم توفر الكثير من المواد الغذائية في البوشت المقدم من وكالات الإغاثة الأخرى.
واشتكى بعض الموظفين السابقين من أن أندريس يخاطر أحيانا في قضايا بيروقراطية تتجنبها عادة وكالات الإغاثة الأخرى. ولكنه كطاه يحاول الدخول في "مقلاة” النزاعات المحلية والدولية مقارنة مع منظمات الإغاثة الدولية التابعة للأمم المتحدة التي يحاول أفرادها استخدام لغة محايدة خشية إغضاب السلطات المحلية والوصول للسكان المحتاجين. وعندما أعلن ترامب عام 2015 عن حملته الانتخابية وهاجم المهاجرين المكسيكيين، قرر أندريس وقف خطة له لافتتاح مطعم في فندق ترامب. وقررت منظمة ترامب مقاضاته ولكن أندريس قاضاها أيضا، قبل تسوية القضية خارج المحكمة. وقال الطاهي الراحل أنطوني بوردين إن أندريس هو "الطاهي الوحيد في تاريخ أمريكا الذي قاضى رئيسا أمريكيا وهو في منصبه”.
واستخدم أندريس حسابه على تويتر/إكس للسخرية من السناتور الجمهوري تيد كروز بشأن القيود على السلاح، وقدم البيتزا للحرس الوطني أثناء الهجوم على الكونغرس في 6 كانون الثاني/يناير عام 2021.
قال الطاهي الراحل أنطوني بوردين إن أندريس هو "الطاهي الوحيد في تاريخ أمريكا الذي قاضى رئيسا أمريكيا وهو في منصبه”
وأثناء فترة الإغلاق الفدرالي في 2019 قدم وجبات للموظفين الفدراليين المجازين إلى جانب النائب الديمقراطي جو كيندي والجمهوري ويل هيرد.
ولم يتأثر أندريس بسبب توغله في السياسة العالمية، فمحل التاباس "جاليو” الذي افتتحه عام 1993 يمتلئ بجماعات اللوبي والمساعدين في الكونغرس والمدراء التنفيذيين الزائرين. ويشمل المستثمرون في مطاعمه الممثلة غوينيث بالثرو والمستثمران في رأس المال ستيف كيس ومايكل كلاين.
وتقول الصحيفة إن أندريس يواجه في موضوع الشرق الأوسط وإسرائيل رئيسا رفض استخدام الدعم العسكري الأمريكي لها كورقة ضغط، لكن حادث القتل لموظفي مطبخه العالمي وما يقوم به من ضغوط على الساسة بدأت تثمر ثمارها بين الديمقراطيين. ولأن أندريس ظل يركز على تأمين الاحتياجات اللوجيستية وتأمين وصول الطعام حول العالم، فلم يتم تصنيفه ضمن الرؤية الحزبية، وذلك حسب النائبة الديمقراطية عن واشنطن، براميلا جايابال، حيث علقت أنه كان قادرا على الدخول في الكثير من المناطق التي تعتبر ديمقراطية وجمهورية. فقد دعم ماركو روبيو، السناتور الجمهوري وطلبه من وزارة الزراعة الأمريكية البحث والعثور على الطعام ضمن برنامج المساعدة الغذائية التكميلية والمعروف بطوابع الطعام.
كما وأقنع بايدن في عام 2022 بعقد مؤتمر الجوع، التغذية والصحة. ويكره أندريس القيود البيروقراطية ووجد طرقا للتحايل عليها ومن أجل إيصال الطعام إلى مناطق الحرب وضحايا الكوارث بسرعة وأضخم مما تقدمه منظمات الإغاثة.
وبعد أقل من يوم على غزو روسيا لأوكرانيا وصل طاقمه وبدأ بتوفير الطعام للمدن القريبة من جبهات القتال مثل دونستيك، ووصل أندريس نفسه إلى المنطقة حيث كان يسكب الشوربة للنساء والأطفال. وقالت يوليا ستيفانيوك، مسؤولة المهمة سابقا بأن أندريس حاول تحسين نوعية الطعام وليس تقديم نفس الوجبة كل يوم. واستخدم نفس أسلوبه من ناحية السفر إلى أوكرانيا والتواصل مع الطهاة المحليين من أجل توفير المواد لهم وارتبط مع 500 مطعم في المناطق المتأثرة بالحرب. وفي بولندا استخدم الترجمة عبر غوغل ونظم فريقا من المتطوعين لإطعام اللاجئين وتوفير النقانق والخبز الطازج والخردل.
وحل بهذه الطريقة مشكلة للاتحاد الأوروبي الذي فوجئ بالرحيل من أوكرانيا ولم يكن جاهزا للأزمة. وبحلول كانون الأول/ديسمبر زاد المطبخ المركزي العالمي من عملياته في غزة، وبدأ أندريس تحذيراته من نقص الطعام. وقدمت المنظمة حسب تقديراتها أكثر من 43 مليون وجبة للسكان المحاصرين. وعندما بدأت الظروف الأمنية بالتدهور وتعطل إيصال الطعام بسبب نقاط التفتيش تعاون المطبخ المركزي العالمي مع الأردن لإنزال الوجبات عبر الطائرات في شباط/فبراير، وفي الشهر الماضي بدأت المنظمة ممرها البحري لشحن الطعام بالسفن إلى شاطئ غزة من قبرص.
وبدأ أندريس حياته كطاه بفشل، حيث طرد من مطعم مصنف على قائمة ميشيلين في كاتلان. وترك بلده إسبانيا إلى مانهاتن في التسعينات ووصل وفي جيبه 50 دولارا. وكان يعمل لساعات متأخرة لإعداد التاباس. وعندما اشترى جاليو وجد أن الأمريكيين لا يعرفون الكثير عن التاباس الإسباني.
واليوم يستخدم أندريس حزنه وتأثيره للتأثير على صناع القرار في واشنطن.