ماذا فعلت 20 سنة من حظر الحجاب لفرنسا؟

نشرت صحيفة "الغارديان” مقالا للصحافية والناشطة النسوية رقية ديالو، تحت عنوان "ماذا فعلت 20 سنة من حظر الحجاب لفرنسا؟” أكدت فيه أنه "تم تسويق هذه السياسة الفاشلة على أنها دفاع عن العلمانية الفرنسية. وبدلا من ذلك، فتحت أبواب التعصب على مصراعيها وأصبحت أداة للإقصاء”.

وكتبت تقول "قررت في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، الالتزام بالحركة النسوية، ولذلك انضممت إلى مجموعة حملات نسوية، مقتنعة بأنني وجدت منظمة تدافع عن حقوق كل امرأة على قدم المساواة. في ذلك الوقت، كانت المناقشة الوطنية محتدمة: فباسم العلمانية كانت فرنسا تشكك في حق التلميذات المسلمات في ارتداء غطاء الرأس في المدارس الحكومية العلمانية”.

وذكرت في آذار/ مارس 2004، وبعد أشهر من النقاش، صوت البرلمان الفرنسي لصالح حظر الحجاب في المدارس، وحظر "الرموز أو الملابس التي تظهر بشكل واضح الانتماء الديني للتلميذ”.

صوت البرلمان الفرنسي في 2004 لصالح حظر الحجاب في المدارس، وحظر الرموز أو الملابس التي تظهر بشكل واضح الانتماء الديني للتلميذ

وأكدت أنها "أدركت حينها أن القرار حظي بشعبية كبيرة في الأوساط النسوية، بما في ذلك المجموعة ذات الأغلبية البيضاء التي كانت جزءا منها. وأن العديد من النسويات البيض اعتقدن أن مهمتهن هي المساعدة في تحرير النساء والفتيات المسلمات من نوع معين من النظام الأبوي المرتبط بالإسلام”. وقد تسبب ذلك في ترك الكاتبة لتلك المجموعة النسوية، وقد أوضحت "إذا كانت النساء المسلمات يعانين من شكل معين من أشكال الاضطهاد الأبوي، ولم يكن لديهن حقا أي قدرة أو إرادة حرة عندما يتعلق الأمر بارتداء الحجاب – وهو رأي لا أتفق معه – فكيف سيساعدهن استبعادهن من المدارس والوصول إلى المعرفة التحررية؟”.

وأشارت إلى أنه بالنسبة لها، فقد بدا الانشغال بالحجاب بمثابة طريقة متعالية لتمييز مجموعة من الإناث غير البيض بشكل رئيسي كما لو أنهن لا يتأثرن بنفس أشكال النظام الأبوي مثل النساء الأخريات. بينما كانت وجهة نظر الكاتبة هي أنه "يتعين علينا الاستماع إلى ما تريده النساء والفتيات لأنفسهن قبل شرح تجربتهن من خلال عدسة الهيمنة الثقافية”.

لفتت الكاتبة إلى أن قانون عام 1905، الذي أسس لأول مرة مبدأ "اللائكية (العلمانية على الطريقة الفرنسية)، كان يدور حول ضمان الحرية. أسس للفصل بين الكنيسة والدولة، وحرية ممارسة الدين من قبل المواطنين الفرنسيين، واحترام جميع المواطنين أمام القانون، بغض النظر عن معتقداتهم. وفرضت هذه "اللائكية” الحياد على الدولة الفرنسية وعلى المؤسسات العامة، لكنها لم تشترط الحياد الشخصي من المواطنين.

وأكدت: لكن عام 2004 شهد تحولا كبيرا في فهم مبدأ هذه العلمانية، من خلال إلزام مستخدمي المدارس الحكومية بالحيادية في ما يتعلق بالدين، أو على الأقل التكتم بشأن معتقداتهم. وكان التعليم هو الخدمة العامة الوحيدة التي ينطبق عليها قانون 2004.

وأشارت إلى أن ذلك جاء في سياق ما بعد 11 أيلول/ سبتمبر الذي اتسم بتزايد كراهية الإسلام، فدخلت فكرة ضرورة إبقاء ظهور المسلمين تحت السيطرة إلى الرأي العام الفرنسي ووسائل الإعلام والطبقة السياسية. وكان ينبغي حماية الطلاب من قبل المؤسسات التعليمية العامة التي كانوا يلتحقون بها، بغض النظر عن الطريقة التي اختاروا تقديم أنفسهم بها. لكن مبدأ العلمانية تطور ليشمل مطالبة الأفراد بجعل عقيدتهم مسألة خاصة تماما.

شددت على "أنه في حين تم تصوير قانون عام 2004 على أنه حظر على جميع الرموز الدينية "الظاهرة”، بما في ذلك الصلبان المسيحية الكبيرة، إلا أنه في الواقع كان يستهدف التعبير عن الإسلام. وعلى هذا النحو، فقد فتح الباب على مدى السنوات العشرين الماضية أمام كراهية الإسلام بلا هوادة، متجسدا في التركيز على مظهر النساء والفتيات المسلمات”.

ولفتت إلى أنه في عام 2023، أضافت حكومة ماكرون حظرا على "العباءة” (فستان طويل الأكمام من أصل شرق أوسطي) في المدارس الحكومية، دون تعريفها، ما ترك مجالا كبيرا للمدارس لإصدار أحكام تعسفية. وأكدت على أنه من غير الممكن ببساطة معرفة الفرق بين الفستان الطويل والعباءة. فالعديد من الفتيات والنساء المسلمات يغطين أنفسهن بالفساتين التي تباع في متاجر الملابس العادية. لذلك يمكن اعتبار نفس الزي دينيا بالنسبة لفتاة من المفترض أنها مسلمة، ولكنه محايد بشكل مقبول إذا ارتدته غير مسلمة. لتتساءل الكاتبة: فما هذا إن لم يكن تنميطا عنصريا؟

تستنتج الكاتبة بأن الرسالة الموجهة إلى جميع المسلمين واضحة: إما أن يندمجوا في المجال العام أو يظلوا خارجه

وأشارت كذلك إلى أنه بعيدا عن المدارس، أصبح من غير القانوني في عام 2011 أن يغطي أي شخص وجهه في مكان عام، وهو إجراء يُنظر إليه على أنه يستهدف البرقع الإسلامي. وفي عام 2016، بدأت البلديات بحظر ارتداء البوركيني في حمامات السباحة العامة والشواطئ. وقد تم رفض محاولة لإلغاء هذا القانون في المحاكم في عام 2022.

وأشارت كذلك إلى أنه في الوقت نفسه، تم استبعاد الرياضيات المحجبات من الفرق، ومُنعن من ممارسة رياضتهن، حتى في أولمبياد باريس 2024. وذكرت أنه من المفارقات أنه في حين لن تتمكن الرياضيات الفرنسيات من ارتداء الحجاب في بلادهن، فإن قواعد اللجنة الأولمبية الدولية ستسمح للنساء من بلدان أخرى بالمنافسة بالحجاب.

ولفتت إلى أن الشركات المملوكة للقطاع الخاص ليست، مثل القطاع العام، ملزمة بقواعد العلمانية. ولكن هناك ارتباكا كبيرا لدرجة أن الكثيرين يتصرفون وكأنهم كذلك، كما أظهر الجدل الذي اندلع هذا الأسبوع حول معاملة موظفة مؤقتة ترتدي الحجاب في متجر للأحذية في مدينة ستراسبورغ.

وأكدت على أن العلمانية الفرنسية، التي تم تصميمها لحماية الحرية، أصبحت أداة للمضايقة والإذلال والإقصاء.

شددت على أنه يمكن إرجاع مثل هذه الوصاية على النساء ذوات البشرة الملونة و”خضوعهن” المفترض إلى العصر الاستعماري الفرنسي. فقد نظم الجيش مراسم عامة لنزع الحجاب عن النساء الجزائريات الواقعات تحت الاستعمار في الخمسينيات من القرن الماضي لتعزيز "الاستيعاب” وحتى "التحضر”. كان نزع الحجاب عن النساء وسيلة لتأكيد السيطرة على كل من المستعمرة وأجساد الشعب المستعمر.

وترى الكاتبة أنه في حقبة ما بعد حركة "ميتي تو” (أنا أيضا) [المعارضة للتحرش الجنسي]، تستحق التدابير التي تتعدى على استقلالية المرأة الجسدية إدانة لا لبس فيها. ويجب أن تكون المرأة حرة في اختيار الطريقة التي تظهر بها جسدها، سواء اختارت تغطيته أم لا.
واعتبرت أن الرغبة في تتبع علامات التدين تعكس عدم تسامح مع المسلمين يتجاوز استهداف النساء. فقد تم الطعن في اللحى، ورُفض طلب رجل مسلم الانضمام إلى الشرطة بسبب علامة على جبهته تشير إلى كثرة سجوده. وفي الآونة الأخيرة، قرر الاتحاد الفرنسي لكرة القدم أنه لم يعد يُسمح للاعبي المنتخب الوطني بالصيام خلال شهر رمضان.

رُفض طلب رجل مسلم الانضمام إلى الشرطة بسبب علامة على جبهته تشير إلى كثرة سجوده

وتستنتج الكاتبة بأن الرسالة الموجهة إلى جميع المسلمين واضحة: إما أن يندمجوا في المجال العام أو يظلوا خارجه. وأكدت على انه ليس من المستغرب أن يصوت عدد متزايد من الأفراد المسلمين بأقدامهم ويختاروا مغادرة فرنسا.

وأشارت الكاتبة إلى أن مدير مدرسة ثانوية في باريس استقال من وظيفته مؤخرا بعد تلقيه تهديدات بالقتل عبر الإنترنت بعد مشاجرة مع طالبة طُلب منها خلع حجابها. وردت الطالبة، التي كان عمرها أكثر من 18 عاما، باتهام المدير بالاعتداء الجسدي، وهو ما رفضه الادعاء. ثم تدخل رئيس الوزراء غابرييل أتال ليقول إن الدولة ستقاضي الطالبة بتهمة اتهام مديرة المدرسة زورا بسوء المعاملة.

واعتبرت الكاتبة أن مع حظر الحجاب والتعصب الأوسع للزي الإسلامي الذي أدى إليه، وبعد مرور 20 عاما، فلا تزال المدارس تكافح من أجل تطبيقه. وينظر العديد من المسلمين إلى هذا الإجراء على أنه تمييزي، ويؤدي بشكل متكرر إلى تأجيج التوترات إلى حد يستلزم تدخل الحكومة. وحتى هذا بحد ذاته، فهو فشل ذريع.

وبحسب الكاتبة فالخبر الإيجابي هو أن المسلمين، وخاصة النساء المسلمات، وجدوا، في السنوات العشرين الماضية، طرقهم الخاصة للمقاومة، وأنشأوا منظمات تتحدى الروايات حول المرأة المسلمة، مثل "الأمهات كلهن متساويات” التي تدعم الأمهات المحجبات للمشاركة في الحياة المدرسية لأطفالهن، و”فريق كرة القدم النسائي للمحجبات”.

وخلصت للقول إنه "من حسن الحظ أن الأجيال الشابة تميل إلى رفض الطريقة التي تم بها تحريف مبدأ العلمانية. فدعونا نأمل أن يتمكنوا من بناء مستقبل شامل ومرحّب بكل مواطن، مهما اختاروا أن يضعوا على رؤوسهم. وعندما يتحقق هذا فقط سوف يكون لدينا دولة فرنسية علمانية أصيلة ومجتمع حر”.
القدس العربي