وحدة
إسماعيل الشريف - الإنسان أثمن رأسمال في الوجود – كارل ماركس
نقف في الظلام، غاضبون منعزلون، لا أحد يهتم بنا، ألا ترانا، لماذا كل هذا الغضب؟
نخرج من هذه الظلمة، نصيح في شخص يقف على الجانب الآخر من الشارع، نقول له إننا نكرهه، بدوره يبادلنا كراهيتنا بكراهية مع سيل من الشتائم، لا أعرف ولا هو يعرف سبب هذا الغضب والكراهية المتبادلة.
قبل أقل من نصف قرن، لو أردنا إرسال صورة إلى العقبة فسيستغرق ذلك بضع ساعات، الآن ترسل صورة إلى أقاصى المعمورة في لحظة من خلال جهازك الخلوي، ليس هذا فحسب، وإنما بالصوت والصورة تتفاعل مع مليارات الأشخاص حول العالم، وباستخدام تطبيقات الخرائط تصل أينما تريد دون مساعدة أي إنسان.
الحواسب الآلية قبل أربعين عاما لم يكن فيها 2 % من قدرات جهازك الخلوي، وكانت ضخمة بحجم ملعب كرة قدم، والأجهزة الرقمية المنزلية من ثلاجة وغاز أصبح فيها تكنولوجيا تفوق الأجهزة التي وضعت أقدام الإنسان على القمر.
نحن أغنى بكثير من أسلافنا، نعيش برفاهية لا تقارن مع كسرى وقيصر، وأكثر قدرة على التواصل، لا وقت لدينا لنتابع المجموعات على الواتس وما يقوله الأصدقاء على الفيس فلا وقت يكفي.
ولكننا مع هذا أكثر وحدة بلا هدف أو غاية، يتملكنا الغضب.
كنا نلعب بالحارات، كل حارة ولها فريقها في كرة القدم أو «الجلول» نلعب مع الحارات الأخرى، نضربهم ويضربوننا، كانت سهراتنا على الأرصفة، لم نعد نعرف جيراننا كما كنا، حتى أحيانا لا نعرف من يسكن في عمارتنا.
أصدقاؤنا افتراضيون، وقصص حب المراهقين لم تعد تلك الفتاة بالمريول الأخضر التي تحلم بابتسامة تمن بها عليك، أصبحت في جوالك. لم نعد نزور أقرباءنا في بيوتهم منذ أصبحنا نقوم بالواجبات الاجتماعية من خلال التعليقات واللايكات.
بدأ علماء الاجتماع يحذرون من أن معدلات النمو السكاني قد بدأت بالانخفاض مع هذا التقدم المذهل في الطب، هذا الانخفاض لا علاقة للحروب به، ويردّونه في الدول التي لا تشكل فيها المادة عائقا رئيسيا إلى ثلاثة أسباب؛ أولها عزوف المرأة عن الإنجاب بسبب المفاهيم الاجتماعية الحديثة التي رغّبتها في القيام بنفس الأدوار والمسؤوليات التي يقوم بها الرجل، ثم قلة الخصوبة بسبب الانتشار الكبير للعدوى المنتقلة جنسيا، ثم صعوبة الحصول على شريك يصلح لبناء مؤسسة أسرية معه بشكل دائم.
لم نعد نشعر بأننا جزء من شيء أهم وأكبر، نعبّر عن عزلتنا بالكراهية واللوم، نلوم سياسات الحكومة في كل شيء ولكننا ننسى أهم شيء وهو انهيار رأس المال الاجتماعي، الذي يعرّف بأنه مقدار وقيمة وفعالية العلاقات الاجتماعية ودور التعاون والثقة بين أبناء المجتمع لتحقيق الأهداف.
هي مجرد صرخة، أريد أن أعود لمنزلي، لحارتي لألعب مع أقراني.