مجتمعات فاسدة

فارس الحباشنة - في كتابه المدينة الفاضلة يتحدث لفيلسوف العربي الفارابي عن اربعة انواع من المجتمعات: الجاهلة والفاسقة والمبذلة والضالة. وما هو مشترك باختصار ما بين المجتمعات الاربعة هو الرذيلة والانحطاط والتسلط والفساد السلطوي وتزاوج البزنس والسلطة. 
نظرة الفاربي الى المجتمعات الفاسدة ليست هي وليدة عصره أي القرن العاشر الميلادي إنما جلبها من فلاسفة اليونان والديانات القديمة. الفارابي عاصر المتنبي، وكان كلاهما قريبين من سيف الدولة الحمداني.
وكلاهما تعرضا الى ابعاد واقصاء واضطهاد من قبل السلطان. فالفارابي كان سيف الدولة يمتعض من غرابة فكره وبوهمية عيشه. وكان الفارابي من عفيفي العلاقة مع السلطة، ومتطهر من فتنها ودسائسها. والمتنبي كان سيف الدولة يغضب من كبريائه وقوته وصلافته، وكم تعرض الى اقصاء وابعاد وتهميش من قبل سيف الدولة ؟
فساد المجتمعات الذي تحدث عنه الفارابي قبل عشرة قرون ما زال قائما في الشرق والغرب. ورغم أن العالم الجديد قد واجه ثورات غيرت معادلة فساد المجتمعات من الثورة الفرنسية والبلشفية الروسية والثقافية الايطالية، بما اصاب مفاهيم كثيرة وفي مقدمتها السلطة والدولة والمجتمع الفرد والحرية والعدل والحق والعقد. 
مفاهيم كثيرة تغيرت، ولم يعد المفهوم الديني ما ينظم شرعية المدن والمجتمعات.هذا ما يعتبر جوهر العلمنة. الافكار تغيرت والنظرة الى الانسان والمجتمع تغيرت، وما عاد الثواب والعقاب في ميزان السماء، وانما القانون والدستور هو المرجعية.
في المجتمعات المدنية الحديثة الانسان قفز قفزات هائلة في الصعود المدني الاجتماعي والاقتصادي والحضاري. ولكن رغم كل شيء فانه مازال رهينا لاسئلة عالقة وموعرة بالغموض، لربما جفاف الروح وصلادتها أودت بالانسان الى أن يبقى رهينا الى لحظته الصحراوية الاولى. فكل اقنعة النسبية أبقته عطشا للمطلق.