«هيومن رايتس ووتش» تحذر من إغلاق مخيمات النازحين في كردستان
اعتبرت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أنّ خطط إغلاق مخيّمات النازحين في إقليم كردستان العراق بحلول 30 يوليو/ تموز المقبل، ستهدد حقوق الكثير من سكان المخيمات خصوصاً أهالي منطقة سنجار الشمالية.
وأشارت في تقرير لها أنه «ما تزال سنجار غير آمنة وتفتقر إلى الخدمات الاجتماعية اللازمة لضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لآلاف النازحين الذين قد يضطرون إلى العودة قريبا. ووفقا لوزارة الداخلية في حكومة إقليم كردستان، تستضيف المخيمات الـ23 المنتشرة في الإقليم حاليا حوالي 157 ألف شخص، الكثير منهم من سنجار».
وقالت سارة صنبر، باحثة شؤون العراق في المنظمة الحقوقية، إن «الكثير من السنجاريين يعيشون في المخيمات منذ 2014، ويستحقون العودة إلى ديارهم، لكن هذه العودة يجب أن تكون آمنة وطوعيّة، ونظرا إلى نقص الخدمات والبنية التحتية والأمان في المنطقة، فإنّ الحكومة تخاطر بمفاقمة الوضع السيئ أصلا».
وقضاء سنجار التابع لمحافظة نينوى الشمالية، هو منطقة جبليّة في شمال غرب العراق، وموطنٌ لخليط من السكان الأكراد والعرب والإيزيديين، وهم أقلية إثنية ودينيّة.
ودُمّر 80٪ من البُنية التحتية و70٪ من بلدة سنجار، خلال النزاع ضدّ تنظيم «الدولة الإسلامية» المسلّح- المعروف أيضا بداعش- بين أعوام 2014 و2017، ووفقا للمنظمة الدوليّة للهجرة، ما يزال حوالي 183 ألف شخص من سنجار نازحين، وهذا يشمل 85٪ من السكان الإيزيديين في القضاء.
وفي الوقت الحالي، تستضيف 65٪ من البلدات والمدن في سنجار نصف سكانها الأصليين أو أقلّ، بينما لم تشهد 13 بلدة أيّ عودة على الإطلاق منذ 2014.
في 24 يناير/كانون الثاني، أعلنت وزارة الهجرة والمهجّرين العراقيّة أنّ الموعد النهائي هو 30 يوليو/تموز، ولتشجيع العودة، أعلنت الوزارة أيضا عن حزمة من المساعدات والحوافز للعائدين، منها مبلغ يُدفع مرّة واحدة بقيمة 4 ملايين دينار عراقي (حوالي 3 آلاف دولار) لكل أسرة، وبعض الوظائف الحكوميّة، وفوائد الضمان الاجتماعي، وقروض للمؤسسات التجارية الصغرى بدون فوائد.
وفي 19 مارس/آذار، زار وفد من مكتب رئيس الوزراء مخيّم «جمشكو» في دهوك، وقال أحد سكان المخيّم لـ«هيومن رايتس ووتش» بعدما حضر الاجتماع مع الوفد: «حدّدوا ثلاثة خيارات للنازحين: العودة إلى سنجار أو الانتقال إلى مدن أخرى خاضعة للسلطة الاتحادية أو البقاء في إقليم كردستان لكن خارج المخيّمات. لكن على الحكومة أن تقدّم لنا تعويضات لإعادة بناء منازلنا وتوفير الخدمات قبل أن تتوقع منا العودة».
وكانت «هيومن رايتس ووتش» قالت في تقرير أصدرته عام 2023 إنّ «العوائق الرئيسيّة أمام عودة السنجاريين هي تقاعس الحكومة عن تقديم تعويضات عن فقدان ممتلكاتهم وسبل عيشهم، وتأخر إعادة الإعمار، والوضع الأمني غير المستقرّ، وانعدام العدالة والمحاسبة عن الجرائم والانتهاكات التي ارتُكبت بحقهم».
في مايو/أيار 2023، لم تجد «هيومن رايتس ووتش» أي أحد من سنجار قد حصل على تعويض مالي على خسارة ممتلكاته وسُبل عيشه كما ينصّ على ذلك «القانون رقم 20 لعام 2009» إذ تمت الموافقة على 3.500 طلب في انتظار السداد من قبل «الدائرة المالية في نينوى» وبحلول فبراير/شباط 2024، ارتفع عدد الطلبات المكتملة إلى 8.300، دون أن يحصل أي شخص على أي مدفوعات، وفق ما قال لـ«هيومن رايتس ووتش» القاضي عمار محمد، وهو رئيس لجنة التعويضات في تلعفر، التي تشرف على اللجنة الفرعية للتعويضات في سنجار.
وعلى مدى الأشهر الماضية، قال العديد من المسؤولين الحكوميين لباحثة «هيومن رايتس ووتش» إنّه «سيتمّ قريبا الإفراج عن الأموال المخصّصة لدفع تعويضات السنجاريين» وأكّد أحدهم أن ذلك سيتم «في أقرب وقت الأسبوع المقبل» وأنّ الانطلاق في مشاريع إعادة الإعمار وشيك، ولكن بعد مرور سنة، لم يحصل تقدم كبير. وقال مسؤولان حكوميان للمنظمة، إنّ التأخير في صرف التعويضات كان ناتجا عن «مشاكل في الميزانية» حالت دون دفع الأموال المخصّصة، دون تقديم تفاصيل إضافية. فيما قال مدير مستشفى سنجار العام، الدكتور دلشاد علي في 4 أبريل/نيسان إنّ المستشفى ما يزال متضرّرا ومهجورا، وما يزال الطاقم الطبي يعمل في موقع كان مخصصا للاستخدام المؤقت. وأضاف: «نحن بانتظار إحالة مشروع إعادة الإعمار إلى جهة تنفيذيّة للبدء فيه.
وتشرف منظمة (سلة الأمل) غير الحكوميّة على بناء توسعة تضمّ 27 سريرا في الموقع المؤقت لمنحنا المزيد من القدرة، وقد انتهت من ذلك تقريبا. لكن ذلك ليس كافيا، خاصة إذا عاد المزيد من الناس».
وأشار إلى إنّه تمّت إعادة بناء مركز للصحّة الأوّلية في «كوهبال» إلى الشمال من جبل سنجار، وهو الآن قيد التشغيل.
في 2 مايو/أيار، قال موظف في مديرية التعليم في نينوى لـ«هيومن رايتس ووتش» إنّه أعيد بناء أربعة من أصل 24 مدرسة تضرّرت أو دُمّرت أثناء العمليات العسكريّة، وستُفتح مجددا قريبا، لكنه أوضح إنّ 86 مدرسة فقط تعمل الآن من أصل 206 كانت موجودة قبل 2014، وهي مكتظة وتعاني من نقص في المعلمين، في حين قال الآباء والأمهات الذين تمت مقابلتهم إنّهم يدفعون 5 آلاف دينار عراقي (حوالي 3.82 دولار) لكل طفل في كلّ فصل دراسي حتى تتمكّن المدارس من انتداب معلّمين، في بلد يُفرض فيه التعليم العام المجاني.
وقال الموظف: «أخبرت رئيس الوزراء أثناء زيارته الأخيرة أننا في حاجة إلى بناء 100 مدرسة على الأقل في حال عودة المهجّرين، لأنّ هناك 100 مدرسة في المخيّمات».
وبيّن إنّ «جماعات مسلّحة تحتلّ مدرستين في قرية خناصر، إحداهما تابعة للشرطة والأخرى لـوحدات مقاومة سنجار، وهي ميليشيا يقودها إيزيديون وينظر إليها على أنها مرتبطة بـحزب العمال الكردستاني. وهناك مدرسة ثالثة احتلتها قوات الأمن العراقية حتى نهاية 2023، ثم أعادتها إلى مديريّة التربية».
ولوحظ أن واحدا فقط من بين 14 مهجرا من سنجار ممن قابلتهم المنظمة الحقوقية، في مارس/آذار 2023 عاد إلى منزله، وهو خليل حسن الذي قال: «كانت العودة إلى سنجار في يوليو/تموز 2023 قرارا نابعا من قناعتي الشخصيّة، لأنني شعرت أنّ حياة المخيّم لم تعد مستدامة، والدعم الحكومي لعودتنا لم يكن موجودا. وكان هدفي الأساسي هو الرجوع إلى موطني وإعادة بناء حياتي بشكل مستقل».
أما الآخرون، مثل عبدو آلو، فما زالوا يعيشون في المخيّم، وأفاد في حديث للمنظمة قائلا: « ما أزال في مخيم خانكي، فهناك عوامل عديدة حالت دون عودتي، مثل غياب الخدمات الأساسيّة، والمخاوف الأمنيّة، والدمار الذي لحق بمنزلي». أعرب عن قلقه بشأن المستقبل الغامض مع اقتراب موعد إغلاق المخيّم، واحتمال إجباره على العودة إلى سنجار، وغياب أي مكان آخر يقصدونه.
ويكفل القانون الدولي لحقوق الإنسان والدستور العراقي حق المواطنين في الصحة والتعليم والسكن والمستوى المعيشي اللائق. وتنصّ «المبادئ التوجيهيّة بشأن التشرّد الداخلي» على أن تدفع السلطات المختصّة تعويضات وغيرها من أشكال التعويض المناسبة للنازحين عندما لا يكون استرجاع ممتلكاتهم خيارا ممكنا، كما تنصّ أيضا على أن تزوّدهم السلطات بالمستوى الأساسي للمأوى والسكن.
وقالت صنبر: «لا أحد يريد العيش في مخيّم للنازحين إلى الأبد، لكن إغلاق هذه المخيّمات عندما لا تكون المناطق الأصلية آمنة، ليس حلا مستداما للنزوح» معتبرة إن «الأموال اللازمة لإعادة بناء سنجار موجودة، وينبغي للحكومة أن تصرفها حتى يتمكّن السنجاريون من العودة وإعادة بناء حياتهم».