«روح القلم»… معرض فني للإماراتية فاطمة البقالي
تعتبر الخطاطة فاطمة البقالي من أهرامات الخط في العالم العربي، ولا شك في أن معرض «روح القلم» قد أشعل أنوار الذاكرة الخطية التي لا تُنسى، بما خلّدته الراحلة من منجزات كبيرة في فن الخط العربي، لأنها اشتغلت بمفردات لغتها الخطية على نحو كلي من الجمال، إذ قدّمت روائع خطية غاية في الإبداع، جعلت أعمالها تتبدى في نطاق جمالي ، مقرون بالقواعد الصارمة للخط الديواني الجلي وللخط الحر، بتنميقات من الزخارف البهية، فشكلت مساحة شاسعة من إبداعها المتفرد، مرتكزة على فضاء فني مليء بالطقوس التعبيرية؛ الدائمة البناء والتجديد.
ولا شك في أن السمات الجمالية التي يتمتع بها الخط الديواني الجلي والخط الحر وروعة الزخارف، قد سمت بها الراحلة فاطمة البقالي إلى مصاف الذروة الفنية، على الصعيد العربي، بما قدمته في هذا الاتجاه من أشكال خطية، وصيغ بنائية عصْرنَت بها الأسلوب الخطي ليتّجه نحو عوالم فنية جديدة، تُوجّه الطريقة التعبيرية وتُغني الشكل الجمالي لهذا الخط، وتقود إلى جعل التراث الحضاري العربي الإسلامي مجالا إبداعيا حيويا متجددا، لذلك تبدت تجربتها الغنية في مجال الخط الديواني الجلي والخط الحر رائدة في العالم العربي، قياسا بمكانتها الإبداعية وخبرتها الحصيفة، وقياسا بما طبعت به مجال الخط العربي من جماليات مُبهجة، وزخرفات فاتنة، تجلت أغلبها في الورشات التي قدمتها باستمرار، وفي لوحاتها التي تحظى بالتقدير. فمجمل أعمالها يحكمها الالتزام بالضوابط الخطية وتحكمها القواعد الصارمة، وتحكمها كذلك الرؤى الإبداعية المتجددة.
كما أن تجربتها الإبداعية قد فصحت في مواطن كثيرة عن عدد من التراكيب الخطية الجلية المفعمة بنوع من الحرية، والحمالة لأوجه من الجماليات، التي شكلتها الخطاطة فاطمة، وفق خاصيات جمالية معاصرة، ما أشّر على تطويع الألوان لخدمة الخط، في نطاق تناسقي بين الأشكال والخط والمادة الفنية المعاصرة، بمعية الزخارف الرائقة، فشكلت جميعها إيقاعات ذات سمفونية مبهجة، لامست السمع كما النفس، من عملية البناء الفضائي إلى المسالك الإبداعية التي تميزت بالقوة التعبيرية، واستحوذت على الصفات الجمالية بتعددية شكلية متناسقة. ما نمّ عن التقنيات العالية، التي ظلت توظفها المبدعة، فأبرزت قدرتها التحكمية في الفضاء. فضلا عن الربط بين مختلف المفردات الخطية، والربط بين مجموعة من العناصر الشكلية، والاستخدامات التحولية، ما شكّل نقلة إبداعية في مجال الخط الديواني الجلي وسما بالخط الحر عاليا.
ومن منظور آخر- فإن مراسها من خلال الورشات المستمرة، قد يسّر لها تدبير المجال الجمالي في ما يخص تناسق الألوان، برسم الحروف والزخرفات وفق الأشكال المستحدثة بنوع من التجاور والتمازج والتماسك، وبنوع من التوازن الإبداعي، فنَحتَتْ مسارا خطيا وجماليا معاصرا قام على أساس من التوظيف الخاص؛ لامست به الجانب الوجداني بإيحائية وبتعبير متفرد. وهي بذلك قد دعمت الفضاء التعبيري على نحو من الجدّة والحزم والصرامة الإبداعية. ولا غرو في ذلك، فالخطاطة فاطمة ظلت تشتغل وفق رؤى مركزية، ووفق هندسة جمالية، جمعت بين ما يقوم على القاعدة الخطية، وما يقوم على الشكل والجمال. وهو في المنظور النقدي مسار يمتد في أوصال الخط على نحو من التجديد، لملامسة عملية التشكُّل الفني، قياسا بأهمية الحرف في تحديد المكونات الأسلوبية ذات القيمة الفنية، التي تكتنز العديد من الدلالات البصرية التي تحتمل التأويلات الجمالية المتعددة.
تفصح أعمالها عن درجات من الوعي الفني، وعن مقاربة خطية شكلية فنية جمالية، لأنها اشتغلت على القواعد والضوابط ورامت حرية الحرف والشكل في الآن نفسه، وهذا مدعاة لإظهار المستحدثات التقنية، خاصة أنها اعتنت كثيرا بقيم السطح، ما شكل لها طيلة مسيرتها بُعدا جماليا، وهو ما يُحيل إلى خبرتها العالية التي رصّعت بها الخط الجلي والخط الحر، وفق مسالك فنية معاصرة، وبذلك يكون معرض «روح القلم» حمّالا لمعاني ذات قيمة عالية، ودلالات ملؤها الوفاء لحِرفية الخطاطة فاطمة البقالي.
محمد البندوري
كاتب مغربي