«جدران مائلة» للشاغر المغربي محمد الأشعري
صدر حديثاً، عن «منشورات المتوسط – إيطاليا» ديوان جديد للشاعر المغربي محمد الأشعري، بعنوان «جدران مائلة». وفي هذا الديوان، لا تكتفي اللغة بالإنصات إلى العالم فحسب، بل إلى داخلها أيضاً، لتنطق بما يريد الجسد قوله في حالاته المتقلبة: الجسد الفرح والحزين والمتعب والمراهق والعاشق والمريض، لتأخذ من الأشياء اليومية البسيطة سلاستها، ومما هو وجودي عمقها، لتشكل قصيدة مرتاحة، واضحة، لا تتعالى في الميتافيزيقيا، ولا تزحف في الوحول، بل في المستوى الذي يحقق هدف النص. ففي قسم «كتاب الفقر» بدا الشاعر ولغته منكسرين يستحضران ذاكرة قاسية، بعيدة لكنها قريبة جداً:
«كانَ أوَّلَ حذاءٍ لي
في المدينةِ التي وصلتُها
باكياً
ومشيتُ فيها حافياً
ليومَيْن
على حجارةِ المدينةِ القديمة.
انتعلتُهُ دونِ جوارب
ودونِ خيوط
وتعذَّبتُ حتّى تآلَفَ
مع قدمَيّ الكبيرتَيْن
ثمّ لم يمضِ أسبوعٌ واحد
حتّى قذفتُ به كرةً صغيرة
في ساحةِ المدرسة
فطارَ الحذاءُ من قدمي
ووقعَ في البئر
كان الضَّحك
والفردةُ الوحيدة
والبكاءُ الوشيك
كلُّ ذلك يمشي معي…»
وفي «كتاب المراثي» فإنه، وإن استولى الحزن على اللغة وعلى الشاعر، إلا أنه ليس حزناً فجائعياً، بل هو حزن مبجّل:
«وَصَعِدْتِ إلى التلَّةِ البيضاء
ليكونَ اليمامُ في جِوارِك
ونبتةُ الخُزامى
وترتيلُ العابرين.
لقد كان عُمراً سريعاً
لم تتذوَّقي فيه طعمَ عودةٍ من سَفَر
أو طعمَ صعودٍ إلى سفينة
أو مذاقَ شهوةٍ تمرُّ آمنةً في الخاطر
كان عُمراً سريعاً
كأنكِ كنتِ في نافذةِ بيتك
ثمّ فجأةً نزلتِ للمشي خلفَ نعشِك
وها أنتِ تنزلين من نافذةِ وجعِك
كم كانت مؤلمةً رحلتُكِ السَّريعة
في إثرِ ما انْدَثَرَ مِنْك
كأنما وضعتِ أشرعةَ الغيابِ على كتفَيْك
لتنتشلي بها نفسَكِ من الرِّقِّ وسوءِ الحظِّ.
أراكِ دائماً في أحلامي
تصدِّين بيدِكَ البيضاء
شبحَ القسوة
الذي أهداكِ جسداً ليس لك»
صدر الكتاب في 104 صفحات من القطع الوسط. ضمن سلسلة «براءات» التي تصدرها الدار وتنتصر فيها للشعر، والقصة القصيرة، والنصوص، احتفاءً بهذه الأجناس الأدبية.