مسعفو الدفاع المدني وملحمة الإنقاذ البطولية
مهدي مبارك عبد الله
في الواقع هنالك الكثيرة من القصص والحكايات التي يعرفها الاردنيون حول العديد من مواقف البطولة والشهامة والتضحية التي قدمها رجال الدفاع المدني كنموذجً رائدا وبعزيمة لا تلين في سبيل حماية الوطن وإنقاذ حياة أبنائه إضافة الى دورهم المحوري في عملية التوعية والإرشاد والوقاية لتجنب أفراد المجتمع الإصابة والحد من الخسائر ومنهم من قضوا نحبهم شهداء ( رحمهم الله ) بعدما قدموا أرواحهم الغالية في ميادين الشرف العظيم والواجب الجليل ثمناً للقيام برسالتهم الانسانية السامية والنبيلة التي تفوق الواجب أثناء أعمال ( الإطفاء والإنقاذ ) ليكتبهم التاريخ في انصع صفحاته ويخلدوا في ذاكرة الوطن وضمير الشعب عناوين بارزة ورموز مشرفة للفخر والتضحية والمواطنة الصالحة
في يوم الحميس الماضي 16 / 5 / 2924 تناقلت وسائل الاعلام المختلفة خبر عاجل مفاده ان ( مسعفو الدفاع المدني يجرون ولادة طارئة في مركبة خاصة بالشارع العام وينقذون الأم والجنين ) للأمانة التوثيقية ربما لا تكون هذه الحادثة هي الاولى أو الوحيدة من نوعها خلال قيام نشامى الدفاع المدني بواجبهم الإنساني في الظروف الصعبة وغير الاعتيادية ولن أدخل هنا في تفاصيلها وحيثياتها وما اريد تناوله هو الجزء الخاص بدور كوادر الدفاع المدني في هذه القضية وتعاملهم الراقي مع المواطنين والاستجابة لحالاتهم الطارئة والسعي للوصول الى المصابين واسعافهم باي طريقة ومهما كلف الامر من عناء وتعب عبر المديريات والمراكز والمحطات المنتشرة في محافظات المملكة المختلفة
اولا - اللافت في الواقعة وما يستحق التوقف عنده والاهتمام به وتسليط الضوء عليه أن السيدة فاجأتها آلام الولادة بسيارتها الخاصة وعلقت بأحد شوارع العاصمة أثناء فترة الذروة المرورية الصباحية وما تبع ذلك من صعوبة بالغة في وصول سيارة الاسعاف اليها مما استدعى ترجل ( المسعفين وزميلاتهم المسعفات ) من سيارتهم حاملين معهم ( كت الولادة ) لمسافة تزيد عن 150 متر وصولاً إلى المركبة وحال وصولهم كان لا بد من إجراء عملية الولادة داخل المركبة بعد اتخاذ كافة الإجراءات الطبية والوقائية والانسانية اللازمة حيث تم تحويل المركبة إلى غرفة ولادة من خلال تغطيتها باستعمال الوسائل المناسبة وامام حرص ومثابرة وتحدي فريق الإنقاذ انتهت الملحمة البطولية بحمد الله وتوفيقه بنجاح كامل وفرح غامر بقدوم المولود الطفل المنتظر ( تيمور) جعله الله من ابناء السلامة وأنبته نباتا حسنا
ثانيا - من الملاحظ جليا القدرة المهنية والاحترافية العالية والمتميزة لفريق الإسعاف المدرب والمؤهل على مستوى لافت اثناء تعامله مع الجنين والذي تبين أنه بحالة سيئة وفاقد للتنفس والنبض وفاقد لكافة العلامات الحيوية حيث جرى نقله على وجه السرعة إلى سيارة الإسعاف المجهزة وتم عمل دورتي" CPR " الى ان عاد النبض والتنفس له وبعدها تم تأمينه ووالدته إلى أقرب مستشفى للمتابعة الطبية
ثالثا - بالتدقيق في مدى انضباط واهمية متابعة مركز السيطرة مع طاقم المسعفين والتوجيه بسرعة الاستجابة لنداء الاستغاثة وتأمين الخدمة الإسعافية الفعالة والعاجلة حيث بذل المسعغون جهودهم القصوى من اجل إنقاذ حياة السيدة وطفلها حاملين على عاتقهم شرف الرسالة الإنسانية والملكية للمغفور له الملك الحسين بن طلال ( الإنسان أغلى ما نملك )
الحقيقة الساطعة كشمس الظهيرة انه لا يخفى على أحد في هذا الوطن الغالي أن جهاز الدفاع المدني يعتبر واحداً من أفضل وأنبل أجهزتنا الحكومية من حيث الأداء في مجال الخدمات التي يقدمها من نقل المرضى الى المستشفيات وإخماد الحرائق والإغاثة في الكوارث وعمليات البحث والانقاذ وغيرها من المهمات الجليلة والنبيلة التي يقوم بها
بكل صدقية نقول اننا لا نغالي حين نصرح بان ابطال ( اللون الأزرق الرمادي ) فرسان الميدان الأقوياء والشجعان هم وسام فخرٍ واعتزاز على صدر كل اردني واردنية وركن اساسي من أركان استقرار البلاد وأمنها وأمانها يعملون في ساعات الرخاء كما هو حالهم في الشدائد وليس لعملهم زمان أو مكان محدد ويعرفون أهمية الأمانة والإخلاص في تأدية عملهم وسعادتهم وفرحتهم لا تكتملان إلا بعد تقديم العون العاجل لمن يطلبه ( حموا الناس فصاروا تاجا فوق كل رأس ) وبهم تجلى العمل والانجاز والعطاء وهم ليسوا مجرد عناصر إنقاذ بل هم رسل غوث ونجدة يمثلون المعنى الحقيقي للبطولة والرمز الصادق للتضحية في أسمى تجلياتها وهم يبذلون أرواحهم ويسابقون الزمن ويؤثرون أنفسهم لإنقاذ حياة الآخرين بكل شجاعة واقدام فكم من مرة أعادوا لقمة الطعام عن أفواههم دون ابتلاعها متناسين الجوع والاجهاد من أجل إنقاذ طفل أو شاب أو عجوز وقع في ضائقة ما وهم يعلمون ان إنسانية عملهم تدفع بهم لمواجهة الظروف الصعبة والاخطار المحدقة من اجل تقديم خدماتهم
لقد حظي جهاز الدفاع المدني بدعم موصول من قبل جلالة الملك عبدالله الثاني والذي كان حافزاً قويا لكوادره للمضي قدماً في مسيرة العطاء والانجاز حيث لم يقتصر فقط على توفير الموارد المالية لتأمين الآليات والمعدات والتي يمتلك الجهاز أحدثها بل امتد ليشمل الارتقاء بمهارات القوى البشرية من ضباط وأفراد الدفاع المدني من خلال برامج التدريب والابتعاث وتبادل الخبرات وتوفير بيئة العمل المحفزة لهم ورعاية المصابين وأسر الشهداء منهم حيث كانت جهود القيادة الرشيدة في هذا المجال تبعث بحق على الفخر والسعادة وتفسر التطور الكبير في قدرات الدفاع المدني الاردني والذي شهدت به المنظمات الدولية للحماية المدنية والدفاع المدني من خلال اداء مهامه على الوجه الأمثل في الحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة ومكتسبات الوطن وبما يحقق أعلى درجات السلامة والأمان لأبناء الوطن وزواره وكل من يقيم على ثرى هذا الحمى الهاشمي الأشَّم
أما في مجالات الاعداد والتأهيل فقد تم انشاء المعاهد التدريبية المتخصصة في كافة مجالات وعلوم الدفاع المدني وبما يمكن الكوادر من أداء رسالتهم الإنسانية النبيلة والواجبات المنوطة بهم على الوجه الأكمل وبمستويات عالية من والكفاءة والاحتراف تجسيدا للرؤى الملكية للارتقاء والنهوض بواقع الخدمات الإنسانية المقدمة إلى أفضل المستويات الممكنة والمتاحة
جهاز الدفاع المدني يشكل جزء هام من منظومة أمننا الوطني الشاملة وقد قطع خطوات كبيرة وموفقة نحو التطوير والتحديث ظهرت اثارها جلية من خلال ما يقوم به من عمل ويؤديه من واجبات ومهام لتوفير الحماية والوقاية للوطن والمواطن من الاخطار في شتى الظروف من ( اطفاء وانقاذ واسعاف ) بالإضافة الى سعيه المستمر نحو التميز والريادة من خلال ما يقدمه من خدمات إنسانية لكافة شرائح المجتمع للحفاظ على سلامة الأرواح وصون الممتلكات والمقدرات الوطنية علماً بان حماية الأرواح والممتلكات والثروات مسؤولية يتحملها الجميع من أجهزة حكومية وقطاع خاص وهيئات مجتمع مدني وأفراد
منذ الطفولة المبكرة تربينا ومن ثم ربينا ابنائنا واحفادنا على إجلال وإكبار كوادر الدفاع المدني ونحن نرى في عيونهم الوفاء والصدق والقيم المثلى والانضباط والجهوزية كما تعلمنا في حياتنا ان ننحني لكل واحد منهم احتراما وتقديراً لعطائهم وتفانيهم باعتبارهم مدرسة في الخُلق وجامعة في الواجب ومثل وقدوة في ميدان الشرف والبطولة من اجل تحقيق مفهوم الدفاع المدني الشامل وهو ما اهلهم ليحوزوا على ثقة ومحبة القائد والشعب
مع بدايات التأسيس اولى جهاز الدفاع المدني مسالة التثقيف الوقائي والحماية الذاتية وتدريب المواطنين في مواقعهم المختلفة على اعمال الدفاع المدني جانب كبير من الاهمية كالتدريب على أجهزة التنفس والاسعافات الأولية واستخدام خراطيم المياه وبعض معدات الإنقاذ وغيرها ليكونوا قادرين على التعامل مع الحوادث المختلفة في لحظتها الاولى لحين وصول فرق الدفاع المدني بهدف تخفيف الاثار الناجمة عنها وتقليل الخسائر الى ادنى درجة ممكنة باعتبار ان العمل التطوعي وسيلة ناجعة جدا لبناء الفرد والمجتمع
بقي ان نبين انه بإدراك عميق لدور المرأة في المجتمع ونظراً لأهمية الدور الذي تقوم به في مجال خدمات الدفاع المدني والحماية المدنية في مختلف المواقع كان جهاز الدفاع المدني الأردني سباق في إشراك العنصر النسائي للعمل جنباً إلى جنب مع إخوانهن أشاوس الدفاع المدني في تقديم الخدمات الإنسانية بأشكال وصورا عديدة حيث تعود بدايات عمل المرأة الأردنية في مجال الدفاع المدني إلى عام 1965 حين كانت تعمل متطوعة ومع نهايات عام 2005 تم تجنيد كوكبة كبيرة من الراغبات بالعمل بشكل رسمي حيث خضعن لدورات تأهيلية وتدريبية متخصصة وأصبحت المرأة قادرة على القيام بأدوار ناجحة في الدعم النفسي والحماية المدنية والدفاع المدني وتقديم الخدمات الإنسانية بحرفية وكفاءة عالية في كافة مديريات ومراكز الدفاع المدني المنتشرة في أنحاء المملكة
في الختام لا يسعني وانا وكثير من ابناء الاردن الشرفاء ونحن نري الجهود الجبارة والتطور المستمر والملموس على أرض الواقع إلا أن نقف اجلالاً واحتراماً وتقديراً لكافة نشامى ونشميات الدفاع المدني لما يقومون به من دور هام ومواقف بطولية وتضحيات عظيمة بأنفسهم وأرواحهم حيث سطروا بدمائهم للغالية ملحمة عز وفخر لوطن الشموخ والخير تلبيةً لنداء الواجب وانه لشرف عظيم لنا ايضا في هذه التوافقية الوطنية ان نرفع القامات ونعلي الهامات اكبارا واعتزاز بجهاز الدفاع المدني وقادته ومنتسبيه ومتقاعديه وشهداءه على جهودهم الكبيرة التي بذلوها ولا زالوا يبذلونها في خدمة الوطن والإنسانية بوركت سواعدكم البناءة المعطاءة وهممكم العلية الوضاءة
mahdimubarak@gmail.com