زيد الرفاعي ضمير وطن لا يتعب
زهير العزه
أصاب جلالة الملك الحسين كعادته بتكليف زيد الرفاعي بتشكيل الحكومة ،هكذا خاطبنا المرحوم الدكتور جمال الشاعر في بداية إجتماع للتجمع الديمقراطي الوحدوي" حزب تحت التأسيس "في منزله بمنطقة الشميساني، وكان ذلك بعد تكليف السيد زيد الرفاعي بتشكيل الحكومة بعدة أيام خلفا لحكومة السيد احمد عبيدات ،وكان التكليف قد تم بتاريخ 4/ 4/ 1985م
رسالة الملك حسين الى الرئيس حافظ الاسد:
شخصيا لم اكن اتفهم حينها هذا الاندفاع من قبل الدكتورجمال الشاعرنحو الترحيب بحكومة السيد زيد الرفاعي حينها وهذا الكيل من المديح له بهذا الشكل ، خاصة أن الدكتور الشاعر كما نحن حينها كنا في ذلك الوقت نتحدث عن الحكومات المنتخبة وضرورة التخلص من الوجوه التقليدية، لكن تدريجيا أخذت ادرك اهمية الخطوة التي قام بها جلالة الملك من ناحية وأهمية وجود شخصية بحجم الرئيس زيد الرفاعي على رأس الحكومة في تلك المرحلة .
وكان جلالة الملك الحسين قد أرسل السيد زيد الرفاعي بعد التكليف بساعات الى دمشق محملاً برسالة الى الرئيس السوري حافظ الاسد ، وفحوى الرسالة تتمحور حول ان هناك في " الداخل الاردني" من عبث بالعلاقة الاردنية السورية محملاً في ذات الرسالة رئيس الوزراء الاسبق مضر بدران المسؤولية عن إفساد العلاقات الاردنية السورية لصالح "إخوان سوريا "، وقد ادان الملك في رسالته الشهيرة والقاسية حينها استغلال بدران لثقة الملك .
بعد يوم من زيارة رئيس الوزراء زيد الرفاعي الى دمشق ، التقيت الاخ والصديق الصحفي المصري المعروف رفعت عوده في مطعم الديبلومات في جبل عمان الدوار الاول، وكان حينها يعمل كمدير لمكتب وكالة الانباء المصرية في الاردن ، وكان تركيزه كصحفي في حواره معي على الرسالة الملكية أكثرمن تغييرالحكومة ، ولماذا زيارة السيد الرفاعي الى دمشق بهذه السرعة والتوقيت ؟
الدولة القلقة :
قلت للاستاذ رفعت عوده أن الملك حسين اكثر ما يزعجه منذ أن تولى سلطاته الدستورية هو العبث بالاستقرار في البلاد على كافة الصعد أمنياً أوعسكرياً أو إقتصادياً او إجتماعياً وهو نظر إلى ما وصله من معلومات عن حقيقة الملف الأمني بين الاردن وسوريا من تفجيرات أو عمليات إغتيال بمثابة عمل يستهدف الاردن والعرش كما يستهدف سوريا وبالتالي هو ضرب بهذا التغيير محاولة التشاطر التي قام بها رئيس الوزراء مضر بدران ، معتبراً ان ما تم قد أخذ الدولة الى مرحلة الدولة القلقة ، فيما كان الملك يريد أن يكون الاردن له أهمية من خلال دوره الاستراتيجي في المنطقة وفي مركزية القضية الفلسطينية التي أعتبرها ويعتبرها أنها قضية اسلامية عربية ولكنها هاشمية بالدرجة الاولى ، ولذلك أعتبر ما قام به بدران هو جر البلاد الى حالة من القلق ما يتعارض مع الرؤيا الملكية تجاه القضايا الاساسية وأهما قضية فلسطين .
فالملك حسين لم يكن ينظر الى الاردن وشعبه ونفسه وكل ما في الاردن من مقدرات حتى وان كانت ضئيلة الا من خلال حتمية الدور المطلوب منه تجاه أمته العربية وتجاه القضية الفلسطينية التي اعتبرها قضية داخلية اردنية وهو كان يعلم جيدا ان هذا الدور له عبء هو عبء الانحياز المطلق لهذا الدور، وله تكاليف سيدفعها الاردن نتيجة هذا الخيار.
ومن هنا كان خيار الملك ان يكون السيد زيد الرفاعي رئيسا للوزراء نظرا لما يتمتع به الرجل من علاقات داخلية مع كل اطياف المجتمع الاردني ، عشائريا على مستوى الضفتين وشعبيا على مستوى قادة الاحزاب والقوى السياسية التي كانت تعمل حتى ولو تحت الارض او فوقها كما هو حالنا وجمال الشاعر ورفاقه ، هذا من جانب ومن جانب أخر كان الرئيس الرفاعي يتمتع بعلاقات جيدة مع الدولة السورية ، حيث تم بناء هذه العلاقة خلال الفترة التي كان فيها رئيسا للحكومة في عقد السبعينيات وبالتالي فإن الرسالة كانت تهدف الى تجنيب الاردن حالة القلق التي خلفها سوء العلاقات مع سوريا وما نتج عن ذلك من تصاعد القلق أيضاً في الملف الامني "وقد كان هذا التحليل مقبولاً لدى صديقي رفعت عوده الذي شاطرني نفس وجهة النظر تقريبا" .
واليوم وأنا استذكر بعض ما تحمله صفحات الذكريات التي دونتها خلال مراحل العمل الاعلامي، وخاصة بعد أن سمعت أن السيد زيد الرفاعي يرقد على سرير الشفاء ، فأنني ومن واقع الشهادة بحق هذا الرجل الكبير وللانصاف والتاريخ أروي ان هذه الشخصية الكبيرة والعظيمة والذي يشهد لها الكثير من السياسيين والدبلوماسيين العرب والأجانب والقامات الوطنية التي التقيتها خلال فترة عملي ،هو صاحب شخصية لمّاحة وبأنه صاحب نظرة ثاقبة وقارئ جيد لمجريات الأحداث والمتغيرات، يمتلك مواقف وطنية وعربية صلبة تنطلق من قناعات راسخة خصوصاً في ما خصّ الحق الفلسطيني التاريخي والصراع العربي الإسرائيلي وتأثيره على دول منطقتنا العربية ، وهو صاحب حجة ودليل فيما لو حاورته ، وهو يرى أبناء الاردن سواسية لا فرق بينهم ولا يحمل أية عقلية إقصائية لأي مكون من مكونات الشعب الاردني" وأبناء قبيلة العزه شاهد على ذلك " ، وانه بالرغم من الظلم الذي لحق به اثناء توليه موقع الولاية الحكومية أو بعدها ،خاصة فيما ذكرته في مقال سابق عن تآمر دولة عربية على الأردن والأردنيين في العام 1989 ،وذلك غضباً من قيام جلالة الملك الحسين بإنشاء مجلس التعاون العربي والذي ضم الاردن والعراق ومصر واليمن الشمالي " ضرب الدينار الاردني والعراقي كان من أولويات هذا التآمر " تحمل الرفاعي ورفاقه في الحكومة ومنهم الشخصية الوطنية الرفيعة معالي الدكتور رجائي المعشر المسؤولية عن الوطن وما تبع ذلك من اذى داخليا وخارجيا .
وهنا لابد ان أنقل ما قاله لي ذات يوم المرحوم الشيخ والوزيرالاسبق عاكف باشا الفايز في منزله في منطقة جبل عمان " مقابل منزل السيد زيد الرفاعي تقريبا على الجانب الآخر من الشارع الرئيسي " وبحضورالسادة الوزير طراد الفايز والاستاذ حكم خير وأمام دولة زيد الرفاعي حيث قال رحمه الله :"أبو سمير يؤكد في أية لحظة تلتقيه إن العيش جميل من دون أقنعة وقفازات"، وهو ضمير وطن لا يتعب ، فلتتعلم من هذه القامة... اتمنى الشفاء العاجل للسيد زيد الرفاعي.............. سطور مما كتبته من مذكرات حياتي ............يتبع