عاكف الفايز الغائب الحاضر فينا وضميرنا الذي يؤنبنا إن قصرنا بحق الوطن ..

زهير العزه
عندما نراجع تاريخ الدولة وتاريخ رجالها الذين بذلوا الكثير من أجل رفعتها وعزتها ، ونقارن حالنا واحوالنا وما وصلنا اليه على صعيد بعض المسؤولين ،الذين وللأسف اوصلتهم الصدفة الى مواقع متقدمة في الدولة ، يحق لنا ونحن نترحم على اولئك الرجال البناة ان نبكي عليهم وعلى حالنا الذي وصلنا اليه نتيجة وجود بعض هؤلاء المسؤولين من صنف مسؤولية "الولدنة" ، حيث يتأكد لنا كل يوم  ان هؤلاء هم من اخذ ويأخذون البلاد والعباد الى مسارات التحلل على مختلف المستويات ويجعلونا والدولة نسير نحو طريق لفظ الانفاس الاخيرة .
إن المتابع لحال مؤسساتنا لا بد له أن يستذكر قادة ورجالات دولة وهم على ندرتهم، فقد كانوا في غالبيتهم من الجيل الباني الذي رافق المرحلة الثانية من مراحل التأسيس للدولة ، وقد منحني الزمن  فرصة ذهبية ان كنت قرب العديد منهم ، ومنهم الزعيم والشيخ والباشا  الوزير الاسبق المرحوم عاكف مثقال السطام الفايز، الذي كان العديد من الشخصيات السياسية والاعلامية وانا منهم قد اطلقنا عليه لقب " ضميرنا الذي يؤنبنا " لانه ببساطة لم يكن صاحب الضمير الذي يرفض الفعل الحرام وحسب، بل هو الضمير الذي يؤنّب كلّ من أمضى نهاره وهو يرتكب الفعل الحرام  بحق الوطن أو يسكت عن من يرتكبه.
 عاكف الفايز" ابا فيصل " الاسم الاحب الى قلبه،  فقد كان يبدو في قمة السعادة عندما يناديه أحدهم بابي فيصل بدلا يا باشا ، فهو أبن البادية الوسطى وابن زعيمها الشيخ الباشا مثقال السطام الفايز، المتواضع والمسكون بحب الاردن والاردنيين كما أبناء العروبة ، وعلى وجه الخصوص فلسطين واهلها ، وهو الذي كان يحترق عندما تمس الاردن جائحة صحية او سياسية او إجتماعية ، وكان دائما يحذر من العبث في الساحة الداخلية،  محذرا المسؤولين من عدم الارتهان لعامل الوقت في إيجاد الحلول لازمات الناس الاقتصادية والتي اعتبرها انها الاساس في صد أية محاولات لتسلل البعض من اعداء الاردن الى الداخل الاردني ، وكم كانت هي الحالات التي كان فيها محذرا من استغلال العدو ركام الازمات التي راكمتها وتراكمها بعض الحكومات ، محذرا دائما من انقضاض الاعداء على الوطن من خلال  التفرقة وعدم حل الملفات التي تمس حياة الناس، وهو نفسه الذي كان يطالب ان يأتي الوزراء بلباس التكنوقراط لكن بشرط ان يكون لديهم خلفيات قيادية سياسية او اجتماعية  تحرص على سمعتها وسمعت احزابها وجماهيرها او قاعدتها العشائرية ، مشيرا دائما الى ان ذلك سيكون السبيل الى نجاح الحكومات والاحزاب والحياة الديمقراطية. 
عاكف الفايز رحمه الله  هو الضمير الذي نحتاج إليه جميعاً في حياتنا اليومية، والذي كان يقول الاردن الفقير بموارده هوعنصر دفع القلق عن الوطن العربي والاقليم ، وعلى اخوته العرب العمل دائما على مراعاة ظروفه ودعمه ، ولذلك كان يقوم بالعديد من المهام التي يكلفه بها جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال رحمه الله ، وخاصة عندما كانت خزينة  الدولة تتعرض لنقص مالي ما ، وعلى وجه الخصوص في موضوع الرواتب ، وكان رحمه الله يستأجر طائرة خاصة على نفقته الشخصية ويسافر، ليعود بعد ايام وقد جلب معه رواتب الموظفين من عسكريين ومدنيين من الاشقاء العرب . 
 والمرحوم عاكف الفايز كان يرى ان تحرير فلسطين حتمي وعلينا الاستعداد للمواجهة ذات يوم ، ويشرح كيف ان الدول العربية في ظل الهيمنة الغربية على العالم لا تستطيع المواجهة في ظل ظروفها الحالية، مشيرا رحمه الله ان الاجيال القادمة من أبناء الشعب الفلسطيني وابناء الامة العربية، سيتمكنون من تغيير المعادلات الدولية ذات يوم "وهو ما يحصل الان" ، وكان دائما يقف الى جانب أهل فلسطين ويدعمهم بكل الطرق والوسائل ، ومن الاحداث التي شهدتها أن مجموعة من أبناء مدينة الخليل ، دخلوا ذات يوم مكتبه في العبدلي خلف وزارة الصناعة والتجارة  وكانوا يطلبون مقابلته، لكن حصل تأخير من موظفي مكتبه، وعندما جاء المرحوم غالب ابو جابر وشاهد هؤلاء  "الخلايله" فأخبره ان هناك رجالا من مدينة الخليل يطلبون مقابلته ،امسك بالهاتف وتحدث  الى السكرتيرة بغضب وطلب من مرافقه محمد ادخالهم فورا ، واعتذر لهم عن التأخير ، وعندما اخبره احدهم انهم من مصابي حادثة الاعتداء على المصلين في الحرم الابراهيمي في الخليل ، وهم يرغبون في وساطته عند السلطات السعودية للحصول على "فيزا" للحج ،كونهم لم يحصلوا على الفيزا بسبب "الدور"، إتصل بأحد امراء العائلة السعودية " لم أعرف من هو "  وبعد ما يقارب النصف ساعة كان السفير السعودي في عمان يتصل بأبي فيصل ويخبره انه يريد من اي شخص منهم مراجعته وتكون الفيزا جاهزة للمجموعة ، وهذا ما حصل فعلا ، كما كان يمد يد العون لكل الاهل في فلسطين دون منية او " تحميل جميلة " معتبرا ذلك واجبا مقدسا .
والمرحوم عاكف الفايز كان له رؤية في حل المشكلات الاقتصادية والبطالة وكم هي المرات التي طالب بها الحكومات العمل من اجل الاهتمام بالزراعة وبما يرافقها من صناعات معتمدة على انتاجية الزراعة، وكان دائم  المطالبة بمنح الشباب اراضي  من اراضي الدولة لاقامة المشاريع الزراعية والتعاونيات بما يحقق الحياة الكريمة  للشباب ويخفف الضغط  على موازنة الدولة التي لا بد ان تستوعب الشباب في حال عدم وجود مشاريع  تستوعبهم . 
 والمرحوم عاكف الفايز هو صاحب مقولة الاردني شخص صاحب نفس كريمة لا تقبل الذل ولا الهوان، وهو بفطرته لا يتجاوز حقوق الاخرين أكانوا دولة أم مؤسسات أم أفراداً الا اذا اجبر على ذلك ..!، وهو الذي يقول لنا كل يوم إن السنوات مهما كانت طويلة أو قصيرة، لا معنى لها إن لم يكن صاحبها واقفاً حيث يجب أن يكون، أي حيث الحق.

قبل أشهر عديدة كان الوزير الاسبق ورجل الاعمال حمدي الطباع يتجول في ردهات وزارة الصناعة والتجارة وهو ينتظر ليقابل الوزيرة انذاك ، لكنه لم يجد موظفا او موظفة تستقبله من اجل  العمل على ادخاله للوزيرة التي كانت في مرحلة ما موظفة صغيرة عندما كان الطباع وزيرا لنفس الوزارة،  ووجد فوضى لا مثيل لها ، وهنا التفت الطباع على يساره ويمينه ثم قال والله هذه "ولدنة، مذكرا ان المؤسسات في طريقها الى الركود اذا لم يتولى المسؤولية فيها رجال بحجم المسؤولية ، وذكر كيف ان المرحوم عاكف الفايز كان يتجول بين المراجعين في وزارة الزراعة ليحل مشاكل المراجعين ، وهنا اسأل اين نحن الان من اولئك الرجال..؟ 
اليوم وقد تبددت الاوهام وباتت الامور ترى على حقيقتها ، فانه على الذين قاموا ويقومون بتصنيع المسؤولين في مختبرات المحسوبية والجهوية والمناطقية او حتى المصالح المشتركة على طبق من "كيس " الوطن ان يراجعوا انفسهم ويجددوا خياراتهم لصالح الوطن، لان الحقيقة تقول انهم فشلوا في معالجة قضايا الوطن والمواطن هم ومحاسيبهم ، بل ان هذه التركيبات قد ارهقت الوطن والمواطن الذي بات ينام على فاجعة تمس جيبه ويصحوا على اخرى تصعق صحته ولا يجد العلاج ، بل ان بعض المشاكل الاقتصادية  اصبحت بمثابة القنبلة المتفجرة في وجه الوطن ، فيما سياسة تعيين الفاشلين في المواقع المتقدمة ما زالت مستمرة .
 المرحوم عاكف الفايز لم يمارس التزلّم الشّخصيّ ولم يكن يحبه ، بل كان يكره المنافق ، وهو لم يحاول  يوما ما ان يحتمي  بقبيلته التي كان يعتبر كل فرد منها واحدا من ابناءه   ، وهو لم يختبىء  في أغوار الانتماء  الجغرافي او المناطقي ، بل عاش الوطنيّة ورعاها، بكلّ سلوكيّاته العامّة والخاصّة، وعلى كل مسؤول يهتم بالصورة  "والشو" الاعلامي على اعتبار ان ذلك انجاز وطني ان يتعلم من امثال هذه الشخصيات التي اعطت الوطن  بصمت وبعيدا عن  ارتكاب اثم تحميل الوطن والمواطن " المنية " او كما نقول " جميلة ". 
 المرحوم عاكف الفايز ابا فيصل ،هو الضمير الذي يعذبنا جميعاً، عندما نقف متخاذلين ولا نحرّك ساكناً منتصرين للوطن والمواطن ،وهو الذي يؤنبنا إن لم نحافظ على ما تركه لنا  الاباء  ومن قبلهم الاجداد .