قصص النواسية حكايات الأمل
سليم النجار
شيء مؤلم وموجع أن تعيش أمة بلا ذاكرة٠ مع الأسف هذه حقيقة٠ ميراث يتغلغل داخلنا فنعجز عن ترتيب أي شي!
أوقاتنا٠ كتبنا٠ احلامنا٠ كل شيء متراكم ومكدس ومرحل إلى أجل غير مسمى٠ لا نتخلص مما لا نريد فلا يزعجنا اقتران الجمال بالقبح في أي شيء وكل شيء٠
في مجموعته القصصية " خُطىً بعد العَتْمَة" نايف النوايسة يضعنا أمام مفاهيم إشكالية بامتياز، تضعنا أمام سياقات نظر وتفكّر غير مسبوقة من قبل، إذ التمثيل القصصي كان دافعه الصور الجمالية التي تسعى التعبير عن هذا العالم وواقعه ظرفياً بإمتياز٠ لجهة اهتمامه بطريقة ظهور لشخصياته القصصية التي لا تنفصل المعاني وأساليب تحققها لرؤى إنسانية، قد تكون صادمة حيناً، ومألوفاًحيناً آخر٠
فالصورة القصصية عند القاص نايف النوايسة تمثلات العالم الافتراضي هي من تنشأ عالمها وحقلها ومجالها الواقعي٠ صورة الواقع الآن وتمثيلاته غير معنية تماماً بالمقارنة بين النموذج والأصل٠ هي ذاتها في ذاتها خالقة لمرجعها، ولكنه نوع مختلف، يبقى امتيازه في تبدله وعدم رسوخه، كما نقرأ في قصة ( إختْراق)،( ضحك صديقي ضحكة ذات معنى وواصل وهو يخيط أرضية الحافلة بقدميه: المفاجئ في الأمر أن الذي وراء كل ذلك هو ( الرفيق منير) ذاته ص٨)٠
تشكل حالة القلق ملمحا من ملامح التجربة القصصية لنايف النوايسة التي تجليها اللغة القصصية عبر وسيط الصورة القصصية، والقلق هنا حالة نفسية تستخوذ على بواطن الذات القاص، وَتَعِّري الاحتدام النفَّسِيَّ للأنا القاص في صراعه تحقيقاً لمغامرة إنسانية٠ وبلورةَ للمخاوف العاتية كالأمواج، فاسم الفاعل " تائه" كما نقرأ في قصة،( السَّلَّة والبِئر) فالشك هو الفاعل الحقيقي والظابط لأيقاع القصة،( لم يُثِر بهم أي شعور بالشك، وانه لا يطمع بغنائم هذا البئر، وقال أشربوا قهوتكم وسأذهب معكم ص٢٢)، وبنهاية القصة يوجد تقريب للصورة إلى إحدى حالات التعافي من الشك وتصريح مباشر أن هذه هي الحال التي تؤول إليها الأشياء،( لم يبق في المكان احد ٠٠ أغلق الباب ونادى زوجته، وأطلق قهقهة طويلة وقال : سلتك ارحم مليون مرة من قصة البئر ص٢٣)٠
جملة المفاتيح التي يرميها أمامك( نايف النوايسة) في مجموعته القصصية " خُطىَّ بعد العَتْمًة" الصادرة العام ٢٠٢٢ إنما تختار منها ما يناسب الباب الذي ستدلف منه لمعاينة عوالم الذوات الإنسانية الملهمة، التي لا تكتمل القصة كمكان إلا منه كمزار لمن أتاها قارئاً، يجد رئة طرية للتنفيس أو تحسس الروح الأكثر التصاقا ببهحة الحياة، كما ظهرت هذه البهجة في قصة،( مِن جَديدٍ ابتسِْمُ)، ( بعد الخمسين، بذلتي كحيلة، وربطة عنق، وحقيبة سفر محترمة ونظارات فاخرة، وحين جلستُ على الرصيف منظراً بسطتُ شيئاً نظيفاً تحتي ٠٠ كان ينتظر مركبة أنيقة إلى العقبة لتنفيذ عمل ثقافي ص٢٥)٠
بدواعي هذه التصورات وما تفرضه من رؤية، جاءت قصص النوايسة، والتي تكاد أن تكون قراءة، لا تخلو من طبيعية جدلية، تسعى لفهم تحولات الفن القصصي وفكرها الجمالي في صورته المعاصرة٠ والشكل الذي تقترح فيه مقاربات نقدية هي أيضاً بمثابة أسئلة تبحث في مقصدها الفنية والجمالية، كما نجدها في قصة ( كالقَمَرِ وحيداً)( ماذا تنتظر؟ هيّا قمْ وانطلقْ، لم يبق لك شيءٌ تفعله! وانفضِ التراب على كفيك، حتى الحصاة التي تُقبلها بين أصابعك دعْها ص٤٥)٠
وتتناسل الأنماط الأستعارية في تأثيث المتخيل القصصي، في قصص النوايسة، فهي يستغل كل ممكنات اللغة في خلق صوره القصصية، وتشكل استعارة الخوف نمطاً يتمرأى من خلاله انشطار الذات الخائفة، وهي تتمادى في طرح تناقضات الخائف، التي تجلت في قصة" الحَرْفُ بَاء"(دققت بكل الحروف التي تلي حرف الباء ٠٠ تأكدت من اسمها مرة ثانية وسلمت على الشاهد وكأنني اقوم بطقوس أمام وثن ص٧١)٠
العتمة في قصص النوايسة غير قابلة للتهشيم، فنحن أمام مقولة كل نص قصص جيد فضاء جيد لا متناهي من الرؤى، والأيحاءات والصور التأويلية التي تصب في معظمها في بؤرة الصراع الدرامي، والتشظي النفسي٠