لِتحفيز الاقتصاد

سلامة الدرعاوي - مازالت حالة عدم اليَقين تُسيطر على المشهد العام في الاقتصاد الوطنيّ، وتُلقي بِظلال قاتمة على أداء الكثير من القطاعات التي كان من المُفترض أن تنهض بعد سلسلة من الإجراءات التي أثرت سلباً على أنشطتها.
الحُكومة بدورها وخلال الأشهر الماضيّة قامت بسلسلة إجراءات لِمُواجهة حالة التباطؤ في الاقتصاد من عمليات ضبط الأنفاق وتبويب النفقات، وتبسيط الإجراءات وغيرها، إلا انه ومع مرور الوقت ثبت أن تجاوب الاقتصاد مع تلك الإجراءات ما زال بطيئاً ويحتاج الأمر إلى مَزيد من الوقت.
إلى ذلك الحين، فإن التحدّيات تقف أمام إخراج الاقتصاد من حالة الإرباك التي تسوده منذ بداية العام، ولعلّ مراكز صنع القرار الاقتصاديّ يبحثون عن كيفيّة التحرك خاصة في ظل محدوديّة الموارد من جهة وتنامي تداعيات الأزمة الإقليميّة من جهة أخرى.
الخيارات مَحدودة في ظل الأوضاع الراهنة لكنها ليست مُستحيلة، فالاقتصاد الأردنيّ يُعاني من أزمة حقيقيّة على صعيد الموازنة يتمثل في عجز مزمن ومديونيّة تُناهز الـ29.5 مليار دينار تقريباً واعتماد مُتزايد على المِنح الخارجيّة وفقدان الدولة للكثير من أدواتها الاستثماريّة الخاصة بها.
اما على صعيد القطاع الخاص فهو يعاني من أزمات كثيرة ومتتالية منها ما هو مُتعلق بِنُمُوّ نفقاته ومحدوديّة الاقتراض وفقدان الأسواق الخارجيّة لِتصريف منتجاته وصعوبة الحصول على تسهيلات مصرفيّة ناهيك عن الانخفاض الحاد في أسعار الأسهم ساهم في إضعاف أيّة رهونات للبنوك مما يتطلب تعزيزها وهذا أمر صعب في المرحلة الحالية.
اما على الصعيد المجتمعيّ، فإن شرائح عديدة من المجتمع تعاني من ارتفاعات حادة بالأسعار خاصة في مجال الطاقة والمواد الغذائيّة ناهيك عن ارتفاع تكاليف التأمين الصحيّ والتعليم بأنواعه والخدمات المساندة له من نقل وغير ذلك كُلّها وضعت الأمن المعيشيّ للمواطنين على المحك في الوقت الراهن وهو أمر يضع عقبات كبيرة أمام راسم السياسة الاقتصاديّة في اتخاذ أيّ قرار لمعالجة الاختلالات من حيث الموازنة بين الأهداف الماليّة وبين الأبعاد المجتمعيّة.
على ضوء هذه التحدّيات، الحُكومة مُطالبة اليوم باتخاذ حزمة من الإجراءات التحفيزيّة الخاصة بالاقتصاد هدفها في النهاية تعزيز الثِقة بالاقتصاد وبث روح التفاؤل لدى مجتمع الأعمال بالخطوات الرسميّة، وهذا لا يتم إلا من خلال إجراءات على ارض الواقع تصب في زيادة عمليات التحفيز لقطاعات من خلال النظر إلى المشاكل التي يعاني منها كُلّ قطاع على حدة والتعامل باستثنائيّة في هذا الوقت الصعب.
لا شك أن مُعدّلات الفقر في الأردن في تزايد خاصة في العامين الأخيرين وهو أمر يلقي بتحدّيات جديدة على صندوق المعونة الوطنيّ الذي يحتضن الفئات الفقيرة، لذلك فأن الحكومة مُطالبة اولا وأخيراً بتعزيز شبكة الأمان الاجتماعيّ للشرائح المتوسطة والفقيرة والطلبة والجمعيات الخيريّة وهذا لا يتم إلا من خلال اقتطاع الرسوم من الشرائح الغنية وبشكل يتناسب مع دخلها، فالعدالة المُجتمعيّة ركيزة أساسيّة لاستقرار المجتمع.
من جانب آخر، فإن الحكومة في اطار بحثها عن الوسائل الكفيلة بزيادة الإيرادات مطالبة اليوم بتوضيح نتائج سياسات ضبط الإنفاق التي اتبعتها منذ بداية العام، كما أن عليها وفي اطار خطتها بزيادة الضرائب المتحصلة أساسا من الشرائح الغنية الابتعاد عن أيّة رسوم قد تؤثر على الأمن المعيشيّ للمواطنين.
التحرك السريع للحُكومة يضمن تعافيا مؤقتا للاقتصاد سرعان ما ستتجاوب معه القطاعات الاستثماريّة لأنها ستطمئن إلى أن هُناك خارطة طريق للاقتصاد وأن الأمر ليس مُتعلقاً بأسلوب الفزعة.