بسام البدارين يكتب : خطاب نصر الله والغرب وتحرك الحوثي… لماذا لم يخطف «النشامى» جثمان الشهيد هنية؟

أحدهم حذرني فورا «هذا خطاب ديني خطير  سينقلب هؤلاء عليك إذا تمكنوا».
كنت للتو أتحدث عن ما بثته قنوات من «تغطيات» و»متابعات»، حيث خطاب أعقب خطاب الشيخ حسن نصر الله الأخير لجماعة أنصار الله اليمنية عبد الملك الحوثي.
صاحبنا عاد للتو من إحدى مدن الخليج الهادر مستقرا في عمان ومحتفلا حتى اللحظة بصخبها وضجيجها، وفكرته في اختصار أن «الثقة» بحل القضية الفلسطينية على أساس الخطاب الديني السني أو الشيعي، يعني أن «الأمة برمتها تقترب من الاصطدام بالحائط».
تلك «وجهة نظر» على كل حال.
لكنها وبعد المتابعة الحرية، ليس لخطاب الحوثي الأخير فقط، بل لمجمل تغطيات «الجزيرة» وقناة «المنار» في مرحلة ما بعد الاغتيالات الأخيرة وجهة نظر منقوصة فيها حلقة مفقودة، ولا تجيب على سؤالين.
الأول: من منا يفترض اليوم أن «الأمة» لم تصدم بعد بالحائط؟
عندما قالت إنجيلا ميركل قبل 9 سنوات عبارتها الشهيرة «نحن في الحائط وفي الطرف الثاني بعد الاصطدام» ضحكت وأعجبتني العبارة.
وتصوري أن «الأمة» بعد العربدة الإسرائيلية الأخيرة وفي ظل أنظمة مصرة على إخراج المقاومة من المسرح مع العدو الأمريكي، تجاوزت الحائط ودخلت فيه أصلا، ولا يمكنها الخروج مع الخدوش والدم والجروح إلا من الطرف الآخر.
لذلك لا مبرر بعد الآن لتخويفنا على مصير الأمة،  خصوصا من «الآيديولوجيا الدينية»، فنحن وهم «الأعداء» في حضيض الحائط الآن.
السؤال الثاني: كيف يقترح من يمارسون إرعابنا من الخطاب الديني أننا سنرد على خطاب بلينكن عندما قال «جئتكم بصفتي يهوديا»! أو على خطاب بايدن..»أنا صهيوني مخلص»! أو على نتنياهو، الذي قرأ قبل «الهجوم» نصا بصيغة «خرافة» يتحدث عن «اقتلوا قططهم وكلابهم وحميرهم أيضا… إلخ».

الغرب «الكافر»!

لا خيارات اليوم أمام الفلسطيني واليمني والإيراني والعربي لمواجهة هذه الحرب، التي تمأسست على خطاب ديني ظلامي.
هذا في اختصار ما قاله الحوثي، بعد خطاب ملتفز، كرر فيه 5 مرات عبارة «الغرب الكافر»، ثم سأل عن زعماء تلك الأمة الذين «صمتوا» عندما اغتالت يد الخيانة والغدر الحاج إسماعيل هنية في طهران، فيما شجبوا واستنكروا العملية التي أدت إلى «خدش أذن» المرشح دونالد ترامب.
شخصيا لا أميل إلى «الخطاب الديني».
لكن لا يفسر ما يجري اليوم إلا «المؤدلجين»، وبصراحة الحوثي أقنعنا أن خدش أذن ملياردير أمريكي تاجر عقارات في «سلم أنظمة الأمة» القائمة، أهم بكثير من تصفية واغتيال رجل معتدل مفاوض قتله الإسرائيليون عبر «تقنية أمريكية» وأقيمت على روحه الطاهرة «صلاة الغائب» عبر مساجد الأمة من اليمن إلى إسطنبول إلى ماليزيا والباكستان، بإستثناء رام ألله وعمان للأسف.
سألني المذيع في قناة» رؤيا» محمد الخالدي على الهواء  عن «ما بعد اغتيال  هنية؟».
قلتها بصراحة: قابلت الرجل عدة مرات مؤخرا، وأعلم يقينا أنه قبل الرحيل بقي يوجه الرسائل بدبلوماسية، متأملا أن تستقبله عمان يوما ما، لكن ذلك لم يحصل، للأسف طبعا، وإن حلمت فورا كمواطن أردني أن «نخطف نحن النشامى» بقرار سياسي- طبعا نحن قادرون عليه – جثمان الشهيد لدفنه في عمان، الأقرب للقدس، التي دفع الشهيد حياته وحياة أولاده واحفاده لتحريرها.

«النشامى» والشهيد

قناعتي راسخة بأن الشيخ «أبو العبد» في موقع أفضل منا الآن نحن الأحياء.
تغطية قناة «المملكة» للجنازة قليلا لا تعفي حكومتنا الرشيدة من «الحد الأدنى من مبادرات الواجب». أضم صوتي علنا للقائلين: «أقله.. وزارة الأوقاف تقيم صلاة الغائب.. أو دعم الشيخ عكرمة صبري، الذي اعتقله المحتل، بعد إقامتها في المسجد الأقصى».
أقله مثلا «إرسال وزير ما» إلى التشييع بدلا من «السفير» في الدوحة، ولو من باب «احتواء مشاعر الشعب الأردني»، وإظهار قدر من الاحترام لها، أو حتى من باب «تكتيك الاحتواء الأمني».
كنا «أولى»… فاتت الفرصة بصراحة علينا، وليس على أي جهة، فإسماعيل هنية رحل عن الدنيا مكرما، وأغلقنا الباب في وجهه حيا، ثم ميتا… أبحث عن «مسؤول ما» يظهر على شاشة التلفزيون الرسمي ولو لمدة 5 دقائق ليفسر لنا استراتيجيا خلفية هذا «التقصير»، الذي لا يليق بنا كأردنيين، سبق لهم أن «قايضوا علنا» حياة «الشاب خالد مشعل» بـ»كل اتفاقيات السلام  في المنطقة»، فخضع الموساد وقتها.
نعم نحن «مقصرون» والاستمرار في الرهان على مجموعة «التعايش وإنكار المخاطر» أو جماعة «لا تجازفوا بخدش العملاق الجاثم على صدورنا»!
هذا الرهان سيقودنا – إذا ما استرسل ولم تتأسس مقاربة وطنية مدروسة إلى «تذخير» مجانين «الخرافة « في تل أبيب وعناصر «الهلال الشيعي» إياه معا ضدنا كوطن وكجغرافيا.
ليس المطلوب «تبديل الجلد السياسي»، ولا «إعلانات حرب»، ولا تحدي أي جهة «ممولة».
لكن كنا وما زلنا نستطيع استقبال قادة  المقاومة، كما استقبلناهم مرة لدفن جثمان الراحل «إبراهيم غوشة»، ودون حصول «أدنى مشكلة».
مطلوب وبإلحاح «خطوة تنظيم» و»إعدادات مختلفة».
بسام البدارين
 مدير مكتب «القدس العربي» في عمان