لماذا ثار العراقيون مجددا؟

على الرغم من الإصلاحات التي قدمها عادل عبد المهدي على شكل دفعات كانت آخرها يوم الخميس، إلا أن العراقيين أعادوا للمظاهرات زخمها وقاموا بتصعيد كبير في احتجاجات الجمعة، امتدت إلى أغلب محافظات العراق.
ولعل التساؤلات الأبرز تدور حول أسباب إصرار المتظاهرين على الاحتجاجات رغم الإصلاحات، وهل أن عبد المهدي بات عاجزا عن تنفيذها كونه لا يمتلك حزبا سياسيا أو كتلة برلمانية قوية ينمتي إليها لتسانده في ذلك؟
"فقدان الثقة"
المحلل السياسي هشام الهاشمي، قال إن المتظاهرين هم "من بيئة محتقنة بسبب المظالم والتهميش والإقصاء الذي يعانونه جراء نقص الخدمات والفقر والبطالة ومشاكل كثيرة مجتمعية اقتصادية"، وفقا لصحيفة عربي21.
وأوضح الهاشمي، أن "كل هذه المشاكل تجمعت مرة واحدة وتراكمت، الأمر الذي أدى إلى فقدان الثقة بالحكومة على مستوى الوعود وعلى مستوى حزم الإصلاحات التي أطلقت".
وأردف: "هذ الأمر أدى إلى اتخاذ المتظاهرين قرارا بعدم مشروعية هذه الحكومة، فهم الآن أصبح لا يرضيهم صناعة الثقة من جديد، لأنهم بحاجة إلى أن يقتنعوا بأن هذه الحكومة لديها مشروعية في حكمهم".
وأعرب الهاشمي عن اعتقاده بأن "الانسداد الحاصل حاليا في الشارع لا نهاية له إلا باستقالة عادل عبد المهدي، أو مراجعة الجماهير المحتجة وقرارها في مشروعية المحكومة".
وبخصوص ما إذا كان المتظاهرون يكتفون بإقالة الحكومة أم بتغيير النظام؟ قال الهاشمي، إن "أغلب الفئة الجماهيرية المحتجة هم لا يفهمون الكثير من هذه المصطلحات السياسية في موضوع تغيير النظام".
وأضاف: "حتى الآن المتظاهرون ليس لديهم هوية حقيقية، هل هم ثورة أم تظاهرات سلمية؟ هل هم تظاهرات احتجاجية أم انتفاضة؟ هل هم انفجار شعبي؟".
وتابع الهاشمي: "المظالم هي التي تراكمت وصنعت الاحتقان، والاحتقان دائما يأتي بعده الانفجار الشعبي، وهذا لا يعني تغييرا سياسيا شاملا أو تصفير العملية السياسية، وإنما تغيير سلوك النظام بإبعاد ظلمه واقصائه وتهميشه".
"ثلاث فئات"
أما الباحث في الشأن السياسي العراقي نذير محمد، فقال إن "المتظاهرين في الشوارع ولا سيما في ساحة التحرير ببغداد، ينقسمون إلى ثلاث فئات: الأولى تشكل نحو 70 بالمئة وهم الطبقة الفقيرة العاطلة عن العمل، أما الثانية فهم حملة الشهادات والمثقفين، والثالثة هم البعثيون وجماعة أحمد الصرخي والحزب الشيوعي وآخرين من المدنيين".
وأشار إلى أن "هؤلاء مطالبهم تقريبا موحدة في عناوينها العريضة، وهي: محاربة الفساد وإنهاء البطالة والقضاء على المحاصصة والمحسوبية، إضافة إلى ذلك فإنهم يجمعون اليوم أيضا على ضرورة إقالة عبد المهدي"، وفقا لصحيفة عربي21.
وأضاف: "المتظاهرون يئسوا من وعود عبد المهدي في فتح ملفات الفساد، لأنهم يتطلعون إلى الإطاحة برؤوس كبيرة فاسدة حكمت البلاد لسنوات وكانت تتحكم باقتصاد البلد بالكامل، ولا يقتنعون بإحالة صغار الموظفين إلى القضاء".
وأشار محمد إلى أن إقالة عبد المهدي "تمثل بالنسبة لهم حلا مقبولا، على أمل أن يأتي البديل وتكون لديه الجرأة في فتح الملفات الكبيرة ومحاكمة الشخصيات التي أوصلت البلد إلى الحال الذي يعيشه اليوم".
وعن عدم قدرة رئيس الحكومة الحالية على فتح هذه الملفات، قال الباحث السياسي إن "جميع قرارات عبد المهدي اليوم رهينة القوى السياسية النافذة في البلد، ولا يستطيع التحرك للقيام بإصلاحات حقيقية".
وأكد أن "التعديلات في بعض الوزارات لم يقنع الشارع، لأنه جاء بوزراء رشحتهم الكتل السياسية ذاتها التي تطالب الجماهير بإنهاء هيمنتها على مقدرات البلد".
ورأى الباحث العراقي أن "إقالة الحكومة والذهاب إلى انتخابات مبكرة برعاية أممية وإتاحة الفرصة أمام العراقيين لاختيار من يمثلهم بكل حرية بعيدا عن أجواء التجاذبات الطائفية، وإنما على أساس وطني، قد يكون الخيار الأفضل لإخراج العراق من أزمته الحالية".
"الاستقالة مغامرة"
وأعلن رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، فجر الجمعة، أن استقالة الحكومة من دون تقديم بديل دستوري ستؤدي إلى الفوضى، فيما شدد على أن السلطات ستعمل على حصر السلاح بيد الدولة.
وقال عبد المهدي في كلمة بثها التلفزيون العراقي الرسمي، إن "الدعوات بإسقاط الحكومة وتعديل الدستور وإجراء انتخابات مبكرة تتم عبر السياقات الدستورية وأي شيء خارج هذه السياقات هو مغامرة".
وشدد على أهمية "تطبيق الأمر الديواني المتعلق بهيكلة قوات الحشد الشعبي وحصر السلاح بيد الدولة فقط لا غير"، واعدا بإجراء "تعديلات وزارية الأسبوع القادم بعيدة عن المحاصصة وتركز على الكفاءة".
وأشار إلى أن "هناك توجها لتقليص رواتب المسؤولين في الحكومة وحتى الدرجة الرابعة على أن يتم تخصيص المبالغ المتوفرة من هذا الإجراء لصندوق دعم المحتاجين".
وجاءت كلمة عبد المهدي في وقت استؤنفت الاحتجاجات المناهضة للحكومة العراقية، مساء الخميس، وذلك عشية تظاهرات انطلقت الجمعة في بغداد وعدد من محافظات وسط وجنوب العراق.
وأحرق المتظاهرون الغاضبون نحو 50 مقارا للحكومة والأحزاب والمليشيات الشيعية في مختلف المدن، فيما سقط 30 قتيلا و2300 جريحا جراء صدامات واشتباكات مع قوات الأمن التي أطلقت الغاز المسيل للدموع من أجل تفريقهم.
وعلى إثر ذلك، أعلنت 9 محافظات عراقية حظرا للتجوال، وهي: الناصرية والبصرة، وميسان، وذي قار، والديوانية، وواسط، وبابل، والمثنى، وكربلاء.