قصة نجاح هندسية

د. خالد ارخيص الطراونة

"من قرية البويضة في الرمثا الى جامعة الحسين بن طلال الى هيئة الطاقة الذرية الى جامعة الصين للتعدين والتكنولوجيا الى جامعة نيو ساوث ويلز في أستراليا الى جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في السعودية" مشوار علمي ومهني واكاديمي توجزه هذه الرسالة التي وصلتني من طالبي المتميزالدكتور المهندس الاردني الرمثاوي مهند عارف مياس من قرية البويضة في الرمثا. هذا النشمي الذي لم يحبطه المحبطون من تخصص هندسة التعدين وأحد خريجي القسم عام 2011 انقل رسالته لكم بعد أن إطلع على ما نشرته خلال هذه الفترة عن التخصصات الهندسية وفرص العمل فيها وتصنيفها من قبل المسؤول عن تنظيم مهنة الهندسة بمشبع وراكد ومرغوب وغير مرغوب، بل من وجهة نظري والكثيرين فإن التخصص الهندسي والابداع هو مرتبط بالمهندس وما يفرضه على واقع العمل والمهنة من خلال ما يملك من مهارات وتحدي لاي واقع مفترض حول سوق العمل سواء داخليا او خارجيا. هذه حالة متميزة لحالات لا يمكن حصرها لطلبتنا المبدعين الذين اضافوا للتخصص القيمة ولم يؤثر بهم نوع التخصص الهندسي سواء عاطل او باطل. "لعل قومي يفقهون قيمة هندسة التعدين ومهندس التعدين والمهندس الجيولوجي والجيولوجي " والاستثمار الذي يجب ان تهتم به حكوماتنا المتعاقبة بهذه التخصصات لما لها من اثر فعال على مخرجات هذه المهن في تطوير الصناعات التعدينية الاستخراجية والتحويلية ولما لها من اهمية كبيرة في الناتج القومي الاجمالي وكذلك فتح فرص عمل متعددة في القطاعات التعدينية المتعددة". وقد بعث لي طالبي برسالة تلخص مستوى التحدي الذي يواجهه اي تخصص هندسي، وان الانسان لا يجب ان يستسلم للواقع والاحباط الذي يأتي احيانا بشكل مفتعل بعيدا عن التفكير في المستقبل والتطور الذي يجب ان نتعامل معه بروح ايجابية لنعزز قيم الانتماء للوطن بدلا من هروب ابنائنا وخبراتنا الى بلدان العالم وهذا حق لهم في البحث عن طلب الرزق وتحقيق حياة افضل ومستقبل واعد، حيث  تحمل رسالته في طياتها معاني التحدي لكل ما هو مٌحبط في دراسة الهندسة وتحديدا تخصص هندسة التعدين ليكون مثالا عمليا على ان دراسة اي تخصص يعتمد كما اسلفت على ما يملك الشخص من مهارات وابداع وتميز،والدكتور المهندس مهند عارف مياس هو من مواليد 1989من قرية البويضة في الرمثا وهو الان يعمل بروفسور مساعد في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في المملكة العربية السعودية، حيث تخرج من قسم هندسة التعدين والمعادن في جامعة الحسين بن طلال عام 2011 وهو احد طلبتي المميزين. حيث يقول الدكتور مياس في رسالته أثناء دراستي في قسم هندسة التعدين، كان أكبر تحًد يواجهني هو رؤية العديد من زملائي يهربون من تخصص التعدين إلى تخصصات أخرى وكانت التعليقات السلبية حول قلة فرص العمل في هذا التخصص أيضًا مصدر قلق كبير بالنسبة لي، وبالرغم من ذلك، قررت بإصرار أن أكمل دراستي في هذا المجال، حيث كنت أبحث عن شغفي وما زلت ملتزمًا به. كان طموحي في ذلك الوقت أن أجد فرصة عمل خارج الأردن. كان حلمي الأكبر هو العمل في أستراليا، حيث أن قطاع التعدين هناك مهم للغاية ويتمتع بمستقبل واعد، بالإضافة إلى عائد مادي جيد جدًا. كنت أتطلع لتحقيق هذا الحلم، لأنني كنت أؤمن بأن العمل في أستراليا سيوفر لي الفرصة للتطور واللإبداع في مجال التعدين الذي كنت شغوفًا به. في ذلك الوقت، يقول كنت على دراية تامة بأن الطريق سيكون صعبًا للغاية، ومع ذلك، كنت أدرك أهمية البداية وأنه من الضروري أن اقتنع في تلك اللحظة بما كنت أدرسه من تخصص.

في عام 2009 ، بدأ المهندس مياس في البحث عن مشروع تخرج مميز في القسم على مستوى الأردن ويقدم له خبرة جديدة. إختار موضوع إستخلاص اليورانيوم من الفوسفات الأردني، وهو موضوع كان مهمًا جدًا في ذلك الوقت وما زال. يقول الدكتور مياس كنت أعلم أنني سأواجه العديد من التحديات بسبب قلة الخبرة وعدم توفر المختبرات المناسبة لهذا النوع من المشاريع، لكنني كنت مصممًا على خوض غمار هذه التجربة. خلال تلك الفترة، كنت أتواصل مع شركة "أريفا" الفرنسية لتعدين اليورانيوم، وكذلك مع هيئة الطاقة الذرية الأردنية، وتمكنت من الحصول على إذن لدخول مختبراتهم لتحليل العينات وإجراء الفحوصات المخبرية اللازمة. رغم أن الفترة كانت صعبة للغاية لكثرة تكاليف النقل والتي استدانها وتحمل عبئها والدي، علما بانني من عائلة ريفية متواضعة الحال من مدينة الرمثا. في النهاية تمكنت من انجاز المشروع، والحمد لله تخرجت من تخصص هندسة التعدين والمعادن من جامعة الحسين بن طلال بتفوق، حيث ومن خلال هذا المشروع بنيت علاقات مهنية مهمة مع الهيئة والشركة الفرنسية.

يكمل الدكتور مياس في رسالته قبل أن أكمل دراستي، حصلت على وظيفة في الشركة الأردنية الفرنسية لتعدين اليورانيوم. ولكن بعد فترة قصيرة من العمل هناك، حصلت على منحة ماجستير من هيئة الطاقة الذرية الأردنية لإستكمال أبحاثي في مجال استخلاص اليورانيوم في جامعة الصين للتعدين والتكنولوجيا ونشرت بحث في هذا المجال في مجلة علمية متخصصة ومرموقة عام 2014 ، ثم عٌدت للعمل في هيئة الطاقة الذرية الأردنية لفترة. بعد ذلك، حصلت على منحة لدراسة الدكتوراه في جامعة نيو ساوث ويلز في أستراليا في مجال هندسة وعلوم المواد. كانت هذه فرصة ثمينة جدًا، حيث كانت المنحة شاملة لكل التكاليف الدراسية بالإضافة إلى راتب مجزي. بالفعل، انتقلت بعد ذلك إلى أستراليا ونجحت في معادلة شهادتي من جامعة الحسين بن طلال دون أي مشاكل، مما أتاح لي الفرصة للعمل كمهندس تعدين بشكل رسمي في جميع ولايات استراليا. وكنت ايضا حصلت على عضوية نقابة المهندسين الاستراليين.

 

أنهى المهندس مياس دراسة الدكتوراه عام 2018 من  جامعة نيو ساوث ويلزNew south Wales  في أستراليا وعمل في نفس الجامعة لمدة اربع سنوات كباحث مشارك. بعد ذلك، وجد فرصة عمل في جامعة ملبورن في قسم الهندسة الكيميائية لمدة سنتين، ثم انتقل للعمل في القطاع الصناعي في شركة "هاتش" Hatch Company، وهي شركة عالمية متخصصة في مجال التعدين ومعالجة الخامات واستخلاص الفلزات. عمل في تصميم وحدات المعالجة في المناجم، وشارك في عدة مشاريع، وخاصة مع شركة "ريوتينتو"، حيث كان يصمم وحدات المعالجة ويقوم بدراسات هندسية لاستخلاص النحاس والنيكل واليورانيوم من الصخور.

وأثناء تلك الفترة، كانت تأتي المهندس مياس العديد من عروض العمل، سواء من دول الخليج أو من دول أخرى، للعمل في مشاريعها الصناعية. الآن يعمل الدكتور مياس كأستاذ مساعد في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وهي جامعة مهمة جدًا في المملكة العربية السعودية. وما زالت العروض تتوالى عليه، والسبب في ذلك هو أن تخصص هندسة التعدين نادر، والمعرفة الحقيقية في هذا المجال ايضا مهمة جدا.

يختم رسالته بالقول لا تبحث عن الشهادة فقط، بل إبحث عن العلم، لأنه في النهاية العلم والمعرفة الحقيقية هي التي تصقل الشخصية وتمنح الثقة بالنفس لخوض تجارب وتحديات جديدة مهمة في الحياة المهنية لأي فرد مهما كانت طبيعة ومسمى التخصص ولا يوجد تخصص راكد او مشبع.

وأخيرا وليس آخرا، لعلنا نحن الذين دخلنا المعترك الاكاديمي واصحاب الشأن الاكاديمي والتعليمي ان نزود طالبنا من خلال التوجيه الصحيح وتزويده بكافة المهارات المعرفية لصقل شخصيته من المراحل الاساسية الى الجامعية، وان نبث فيهم روح الريادة والابداع لا روح الاحباط، وعلى اصحاب الاسترتيجيات الانشائية ان يفكروا فيما ذكرناه وما يشير له الدكتور مياس في آخر رسالته بانه لا يوجد تخصص راكد أو مشبع بل المهندس هو من يرتقي بمهنته وتخصصه الهندسي بعيدا عن الإحباط الذي ينتشر هذه ألايام ومن قبل جهة هي المسؤولة عن تنظيم مهنة الهندسة ألا وهي نقابة المهندسين الاردنيين.