عــضــويــة الأمم المتحدة

«الأمم المتحدة أصبحت بيتًا للكراهية ضد «إسرائيل». لا شيء يمكن أن يغير الواقع التاريخي بأن القدس كانت وستظل دائمًا عاصمة «إسرائيل». نحن لا نأخذ أي أوامر من الجمعية العامة، ولن تؤثر أصواتكم على حقنا السيادي.»

– داني دانون، السفير السابق للصهاينة في الأمم المتحدة.

في شهر أكتوبر من عام 1974، اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا جريئًا آنذاك بتعليق عضوية جنوب أفريقيا. جاء هذا القرار بعد دعم واسع من الدول الأفريقية ودول حركة عدم الانحياز، وتمت الموافقة عليه بأغلبية 91 صوتًا مقابل 22 صوتًا ضد، وامتناع 19 دولة عن التصويت. لم يكن القرار بطرد جنوب إفريقيا من الأمم المتحدة، حيث إن قوانين الأمم المتحدة تمنع طرد أي دولة من الجمعية العامة، بل كان بتعليق عضويتها، مما يعني عدم قدرتها على المشاركة في اجتماعات الجمعية العامة أو التصويت فيها. السبب وراء هذا القرار كان استمرار نظام الفصل العنصري (الأبارتيد) وسياساته القمعية تجاه الأغلبية السوداء في جنوب أفريقيا، والتمييز الصارخ في النظام القانوني والاجتماعي في البلاد.

أدى هذا القرار إلى زيادة عزلة نظام الفصل العنصري، ووضعه تحت ضغط اقتصادي وسياسي كبير، مما ساهم في النهاية في انهياره عام 1994.

وهل تختلف الدولة المارقة عن نظام الفصل العنصري البائد في جنوب أفريقيا؟

بالتأكيد لا، بل هي أكثر شرًا. «فإسرائيل»، كدولة مارقة، تمارس سياسات الفصل العنصري ضد الفلسطينيين، حيث تقيد حركتهم وتميز بينهم وبين المستوطنين الصهاينة في القوانين والتعليم والصحة. هناك آلاف التقارير التي توثق انتهاكاتها لحقوق الإنسان، بما في ذلك التطهير العرقي، والإبادة الجماعية، واغتيال الناشطين، وهدم المنازل، والاعتقالات الجماعية، والتعذيب، وبناء المستوطنات. وأصبحت هذه الممارسات واقعًا مسلّمًا به، يشاهده العالم بأسره في بث حي ومباشر بالصوت والصورة.

لذلك، بدأت تظهر دعوات من منظمات المجتمع المدني والناشطين لتقديم مقترح أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها التاسعة والسبعين، التي ستنطلق في العاشر من هذا الشهر، بتعليق عضوية الكيان الصهيوني في الأمم المتحدة. تقود هذه الدعوة حركة مقاطعة «إسرائيل» المعروفة بـBDS، والتي تتخذ من رام الله مقرًا لها. تُعتبر هذه الحركة شعبية ومناهضة للممارسات الصهيونية، وتسبب قلقًا في أوروبا والولايات المتحدة بسبب نشاطها هناك. ونتيجة لذلك، ظهرت تشريعات تجرّم نشاطاتها في ولايات أمريكية، وكذلك في بريطانيا وفرنسا وألمانيا، وتقيّد نشاطاتها أو تقديم أي دعم مالي لها.

بالتوازي، هناك أيضًا تحرك رسمي في نفس الاتجاه؛ حيث تنتشر أخبار تفيد بأن الوفد الفلسطيني يخطط لطرح طلب لتعليق عضوية الدولة المارقة في الأمم المتحدة، وتحديد إطار زمني لإنهاء الاحتلال يصدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة. كما قرر مجلس جامعة الدول العربية، الذي عقد في القاهرة في شهر تموز الماضي، متابعة فكرة تعليق عضوية الدولة الصهيونية، ولكن، حسب علمي، لم تتخذ أي خطوات فعلية في هذا الاتجاه حتى الآن.

أعتقد أن الأجواء مهيأة لتقديم مثل هذا الطلب، فالاحتلال يرتكب جرائم حرب على مرأى من العالم، وقد طلب المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية إصدار مذكرة اعتقال لقادته. كما أصدرت محكمة العدل الدولية رأيًا استشاريًا يقضي بعدم شرعية احتلال الصهاينة لمناطق عام 1967، ويطالب بوقف الاستيطان وتعويض الفلسطينيين عن هذا الاحتلال وإلزام الكيان بالانسحاب. وقبل ذلك، أصدرت المحكمة قرارًا بوقف هجوم الصهاينة على رفح. هناك أيضًا العديد من القرارات الصادرة عن منظمات دولية تدين الاحتلال وأفعاله. وما إن يُطرح هذا الموضوع، سنرى عشرات المنظمات والناشطين والموظفين السابقين للأمم المتحدة وكبار المحامين الدوليين ينضمون إلى هذا الطلب.

بالطبع، لن تكون المهمة سهلة، فالدولة المارقة هذه المرة ليست جنوب أفريقيا، بل «إسرائيل»، والولايات المتحدة تقف إلى جانبها وستبذل جهدًا كبيرًا للضغط على الدول لمنع التصويت لصالح القرار. هناك العديد من الدول التي تربطها علاقات اقتصادية مع الولايات المتحدة أو تتلقى منها مساعدات، ولن تخاطر بفقدانها. بالإضافة إلى ذلك، يحتاج القرار إلى موافقة مجلس الأمن، حيث تمتلك الولايات المتحدة حق الفيتو، مما يعقد الأمر بشكل أكبر.

غالبًا لن يصدر القرار إلا إذا حظي بموافقة تاريخية، ولكن مجرد عرضه سيشكل ضغطًا على الكيان الصهيوني ويزيد من عزلته. هذا الضغط المتزايد قد يجبر الكيان على إعادة النظر في سياساته وتغييرها.

ينبغي أن تتبنى جامعة الدول العربية هذا الملف، فإحدى الدول الأعضاء، وهي فلسطين، تتعرض لإبادة جماعية منذ أحد عشر شهرًا!