«احذروا الحرب الإقليمية»… ونصيحة للأردنيين: «حواضن» تتفاعل مع «حزب الله» وسؤال «الرمال المتحركة» مطروح

اختصر المفكر القومي والفلسطيني منير شفيق، مسافة ملموسة باتجاه «فوبيا» الأردن الرسمي العميقة و»المكتومة» عندما قال مخاطباً نخبة من الشخصيات الأردنية: «احذروا الحرب الإقليمية».
وفي الواقع، لا تحتاج النخب الأردنية لتحذير تعيش معه يومياً من هذا الصنف وسط غرق الأوساط والصالونات السياسية في السؤال المربك الأهم: أين نقف بصورة محددة إذا توسع الصراع واندلع صراع إقليمي؟
ما اقترحه ضمناً شفيق على طاولة حوار بمبادرة من جمعية الرخاء لرجال الأعمال في العاصمة عمان بحضور «القدس العربي» بسيط ومباشر، ومفهوم أن الأردن في الجيوسياسي هو في موقع حساس للغاية، وينبغي له -إذا توسع الصراع خصوصاً بين إسرائيل وإيران، أو المحور المقاوم والمحور الأمريكي- أن يحدد المنطقة التي سيضع فيها قدمه بدقة. تلك كانت «نصيحة» مختصرة من مراقب سياسي خبير رداً على سؤال من «القدس العربي».
الأهم أن مؤشرات قلق المناخ السياسي والإعلامي العام في الأردن تزايدت مع اشتعال الحرب ضد لبنان، وتزايدت معها تلك الأسئلة الحرجة من طراز: «كيف نغادر المحور الأمريكي إذا وقعت الواقعة؟» أو من طراز: «إلى أي حد يمكن على الأرض ممارسة الحياد العملياتي إذا توسع الصراع؟».
ورغم عدم وجود أي تواصل من أي صنف بين الأردن الرسمي و«حزب الله» اللبناني، فإن رموز «السيادة « في عمان حرصت على التنديد بالعدوان الإسرائيلي على «لبنان الشقيق» وحرصت بالتوازي على جمع «لبنان مع غزة» في حاصل جمع «ضحايا» الجرائم الإسرائيلية، كما ورد في الخطاب الملكي الأخير في الأمم المتحدة؛ لأن عمان أرسلت «طائرة إغاثة» إلى بيروت وبدأت تتحرك بالتنسيق مع الرئيس نجيب ميقاتي ووزير خارجيته في الأروقة الدولة بتوجيهات مباشرة من القصر الملكي.
لا يريد الأردن رسمياً أن تجمعه أي حالة ظرفية ب«حزب الله» اللبناني، لكن الاعتبارات التي دفعت عمان إلى ملامسة إيران مؤخراً والتواصل معها «قد تدفع» وينبغي أن تدفع باتجاه ما يسميه الناشط السياسي المعروف طارق خوري بمقاربات أكثر إنتاجية وجرأة في دعم وإسناد كل جبهات المقاومة.
سابقاً للعدوان الإسرائيلي الأخير، استخدمت عمان «قناة يتيمة» مع قيادة «حزب الله» اللبناني للتدخل لصالح أنصارها في العراق عندما تجمعوا بالآلاف على حدود المملكة بالعراق تحت شعار «افتح الحدود» وهي قناة يعلم الأردنيون عموماً بأنهم «قد يحتاجونها» لاحقاً إذا تدحرجت الأحداث أيضاً وقررت فصائل ومجموعات وميليشيات عراقية إعلان «الجهاد المقدس» عبر الأغوار وليس الجولان السوري فقط.

تدحرج الحرب

النخبة الأردنية بهذا المعنى، أدركت مبكراً أن طبيعة تدحرج الحرب الإقليمية الشاملة تتطلب جهداً «وقائياً» مع الأطراف الفاعلة في «المحور».
لذلك، أرسل الوزير أيمن صفدي إلى طهران، والتقى الملك عبد الله الثاني بالرئيس مسعود بزشكيان، والإطار الوقائي نفسه قد يقتضي -إذا تطلب الأمر وحرصاً على «أمن الحدود الأردنية»- التواصل عند الحاجة مع قيادة «حزب الله»، فيما روقب الخطاب الذي يتبناه المحلل المقرب من المحور ناصر قنديل، صاحب المتابعة المرتفعة وسط الأردنيين لإنه -أي قنديل- يكثر في حلقاته المتلفزة من الحديث عن «التموقع الأردني» وبرسالة إيجابية فكرتها «ترك التفاعل الشعبي الأردني المنتج من دون سيناريوهات تدخل».
لاحظ الجميع كيف «رحب قنديل» علناً بالانتخابات الأخيرة النزيهة في الأردن التي أدت لتحسين فرص التيار الإسلامي الحليف ل«حماس». وفي سياق ارتفاع كيمياء المحور ولبنان وسط الأردنيين، لوحظ بالمقابل كيف رد المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين الشيخ مراد عضايلة في تغريدة مهمة جمع فيها «غزة وجنوب لبنان» معاً في إطار معركة طوفان الأقصى.
يطور الإسلاميون في الأردن «لهجة واضحة» في مساندة «حزب الله» ولأول مرة بصورة علنية، انطلاقاً من وعيهم لملف «دور «حزب الله» في تجنيب غزة الهزيمة».
يعني ذلك أن «حاضنة المقاومة» الاجتماعية في الأردن لم تعد تمانع «ملاطفة» «حزب الله» وترحب بعملياته… هذا تطور لافت، والأكثر غرابة أن السلطات الرسمية لا تمانعه ولا تعارضه ضمن سيناريوهات «الحذر الإقليمي» الذي يقترحه منير شفيق، وتعتمده اليوم المؤسسة الأردنية.

«تفاهمات عن بعد»

كما يعني ضمناً بأن «العبور» بمصالح الأردن الحيوية والأساسية والحدودية في حال انفلات حرب إقليمية «غير ممكن» أو لم يعد ممكناً لوجستياً وأمنياً وعملياتياً اليوم بدون «ملامسات ومصافحات واتصالات» مع إيران وحتى أصدقائها في لبنان واليمن، والأهم العراق وسوريا.
وهي ملامسات يمكنها أن تنمو وتزحف وتتطور إلى «تفاهمات عن بعد» وعند الحاجة «تتغذى» مبكراً على عناصر القلق والمخاطر التي يشعر بها الأردن جراء تمكين يمين إسرائيل من ارتكاب كل المحرمات، ومن جراء ما يصفه الخبير جواد العناني بـ «إدارة ضعيفة في البيت الأبيض» قد ترثها الآن «إدارة معادية» إذا ما فاز بالانتخابات دونالد ترامب.
ما كان يقال في الماضي القريب عن «تنويع العلاقات إقليمياً» وترفضه السلطات الأردنية ويقفز بمن يقوله إلى أوساط التشكيك والاتهام أصبحت تقوله وتمارسه أحياناً رموز السيادة في الدولة الأردنية، ما قد يعني أن نصيحة رجل خبير مثل منير شفيق في مكانها على الأرجح.
ومن راقب في المحصلة ميكانيزمات «تطوير قواعد الاشتباك» أردنياً ضد مجمل الخطط الإسرائيلية في المنطقة والمظلة الأمريكية لها يدرك مسبقا بأن عمان وجدت نفسها لأغراض أمنية تمكنها من عزل الجغرافيا الأردنية عن سياق الصراع الإيراني-الإسرائيلي، مضطرة لفتح منظومة تبادل التقارب مع طهران.
وقد تجد نفسها قريباً مجبرة على التحدث مع «حزب الله» وحركة «حماس»، وحتى حل مشكلاتها مع النظام السوري، خصوصاً إذا أخفقت الرهانات على طول نفس أوروبا.
والاعتقاد يترسخ أكثر اليوم بأن الأردن «يقاوم بضراوة» كل تلك الرمال المتحركة التي تؤسس لها حرب يمين إسرائيل الإقليمية باتجاهات تظهر قدرات فعلية على «الحياد العملياتي» الذي أصبح إنجازاً للمحور عملياً، وتظهر وجود «ضغوط» من كل الأصناف تدفع المملكة نحو «أحضان الممانعة» أو نمط قريب يمكن استغلاله منها، ما لم يستدرك القوم في واشنطن.

بسام البدارين

القدس العربي