ليس مشهدًا من فيلم

كأنك طيف لكائن ميت، «شبح»، تعيش كل هذه المتعة مجانا، وتنغمس فيها بلا إرادة ولا أثر، ماذا تريد أكثر من أن تتجول داخل تفاصيل فيلم سينمائي، ولا أحد يشاهدك، ولا وزن لك ولا صورة، ومهما فعلت فلن تغير في أحداثه.. إنك محظيّ يا هذا؛ فأنت بلغت العمق في زمن (والله لنكيّف)..وسوف يغبطك اللصوص والهاربون من العدالة (لله درك، وعليك شرُّك، كيف أصبحت غير مرئي ولا حجم ولا وزن ولا أثر ينبّه الآخرين!! إنك حقا غير موجود).

عد إلى عمق صحراء الجاهلية الأولى، ولا حق لك في الجمال والحياة، فلا تستمع للموسيقى، لأنها لن تؤثر فيك، بعد ان تحررت من الفضائل ومن القوانين وسائر التابوهات، فانطلق يا خفيف، حيث لا أحد يراقبك ولا يعلم عن وجودك، وافعل ما شئت مما لم تجرؤ على فعله في الزمن المثقل بقيود الأخلاق والإنسانية والقانون، والشعور بالحياة والناس.. وأتحداك لو كنت تعتقد بأنك ما زلت تميّز بين الروائح والألوان والمذاق، او حتى تشعر بمجرد دوار لو صفعتك الحياة على وجهك، ولا بالمذلة لو صفعتك الدنيا على قفاك، وموقفك من بتر أطرافك وسمل عيونك ليس صبرا، فأنت كائن بلا حقوق تعيش فيلما خياليا ولا يراك المخرج ولا الممثلون ولا أحد..

فلتتوقف وتفكر ولو قليلا بتفاصيل او احداث هذا الفيلم الغزير بالتناقض والمفارقات والتوحّش.. الكائنات التي تعتقد انك تسير معها وبينها، هي أيضا من «بلاستيك».. لا عيون فعلية لها، مجرد ثقوب فيها زجاج، ولا حواس في أجسادها فهي مجرد هلام، مادة مصنوعة لغايات الأفلام، حتى تلك التي تصدر عنها أشعة تعمي بصرك، هي ليست ملائكة من نور، فدمها سموم وفسفور، وقسماتها مجرد شقوق في شاشة «بلازما» اليكترونية، تستجيب للفولتية الكهربائية أكثر مما تستجيب لمصيرك، وصرخات صوتك ومكياج صورتك وشاعرية محاولاتك البائسة لإثبات عدم شبحيتك..

ركام الأشلاء، وتناوب صدور الأصوات والصرخات وحتى الموسيقى والأغاني، كلها أدوات مطلوبة لتأثيث مسرح المشهد المطلوب، فكن على يقين بأنك خفيّ، لا عيون تراك ولا أحد ينتظر عودتك، ولا يفتقدك مهما دبّت قدماك على درب التلاشي والضحالة، فاستعرض إبداعك ما شئت أيها الضئيل:

تخيّل نفسك بطلا بشريا مثلا والعيون تتابعك، وتتملقك تلك الكائنات، استعرض وانتفخ وكأنك نجم الفيلم.. إصعد إلى ناطحة سحاب، واقفز من فوقها، وتخيل الجميع يشاهدون القفزة العظيمة ويصفقون ويطلقون (Wow) سينمائية كبيرة، لا تفكر أو تخشى السقوط ولا الموت.. اقفز يا بطل فلا بأس من الانتحار..

قلّب صفحات الذكريات واختر أهمها وأجملها، وتمنى لو تعود، فهي ستعود بسرعة، وستدرك بأنها غير مهمة ولا جميلة، ولا تهتم بهذه النتيجة، وتمناها نفسها وفي كل مرة، لن تختلف النتيجة، فلا تاريخ لك في هذا الفيلم، ولا أحلام من حقك ولا طموح، ولا شيء مهمّا في حياتك ولا جميلا أو يتمتع بقيمة، إلا ما تعتقده في مخيلة الجمهور، الذي كان قد صفق لك حين قفزت من عليائك، وانتحرت.

لا رحمك الله، فلا تجوز الرحمة على شبح مهما كان محظيا، ولا اعتراف بحياته ومماته لأنهما لم تبلغا مستوى أن تكونا مجرد مشهد من فيلم.