«جنود الاحتلال» ومصاصو الدماء!

نرى في السينما أفلاماً عن أشخاص لا يعيشون إلا إذا امتصوا دماء الآخرين.. ويبدو سلوك جنود الاحتلال مشابهاً لذلك، وقد انصبت شهيتهم مؤخراً للقتل على جنوب لبنان.. وهكذا جرحوا حوالي أربعة أشخاص أرسلتهم الأمم المتحدة لمراقبة ما يدور في جنوب لبنان، وتبين أن جنود الاحتلال يقتلون كل حي ويزعمون أنه من «حزب الله» العدو. ومؤخراً، جرحوا عدة أشخاص لم يحضروا لمقاتلة جنود العدوان، بل لتقديم تقرير عما يدور! وآمل ألا يقوم لبنان بالتطبيع مع إسرائيل، وأن تتراجع عن ذلك البلاد العربية التي قامت بذلك، فجنود الاحتلال لا يقاتلون إلا من أجل تحقيق حلم إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات (كخطوة أولى)!

ثري، ويجهل ذلك

نجم السينما الفرنسية الشهير آلان دولون كان يعشق الأعمال الفنية وقد باع بعضها واحتفظ ببعضها الآخر، وحين توفي قبل حوالي العام ترك ثروة طائلة لا من مزرعته في «أوشي»، بل ومن الأعمال الفنية التي كان قد اشتراها حباً بها وليس لجمع ثروة ولعله كان يجهل قيمتها التي ستزداد مع الزمن، وهكذا ورثت ابنته انوشكا ثروة طائلة من ملايين اليورو ثمناً للوحات ورثتها وخصها والدها بنصف ما سيرثه أولاده، أي لها ضعف ميراث شقيقيها.
وفي نيويورك، بيعت لوحة للفنان مونيه بسعر يفوق 110 ملايين دولار..
وكتب الأستاذ آدم جابر عن لوحة لبيكاسو: «ظلت لخمسة عقود بحوزة عائلة إيطالية من دون أن تعرف» أنها لبيكاسو ويقدر ثمنها بستة ملايين يورو!
وحدث أمر مشابه لي ولكن على نحو معاكس، فقد كنت والمرحوم زوجي نتسكع في أحياء باريسية لا أعرفها، وكان زوجي يعرف باريس جيداً لأن عمه أحمد الداعوق، رئيس الوزراء السابق في لبنان، صار بعدها سفيراً في باريس طوال عقد ونصف، وكان زوجي وقتئذ يوضب شهادة الدكتوراه في جامعة أمريكية ويقضي معظم إجازاته في بيت عمه السفير، ويتسكع في أحياء باريس الفنية، فقد كان من عشاق الأعمال الفنية، وبعد زواجنا مارسنا ذلك معاً، وشاهدت مرة في إحدى الواجهات لوحة للفنان برنار بوفيه ثمنها عدة آلاف من اليورو، وشاهدت في حانوت آخر للأعمال الفنية لوحة نسخة عن الأصل ولأنها نسخة تباع بأرخص بما لا يقاس عن ثمن العمل الأصلي. واللوحة تمثل بومة رائعة وزوجي كان يعرف عشقي لطائر البوم، وبيتي في باريس يضم مئات البوم، من ذهبية وفضية وخشبية في التماثيل واللوحات. وقرر زوجي شراء بومة الفنان برنار بوفيه، النسخة الأصلية، ورفضت وطلبت أن نشتري النسخة غير الأصلية لأنني أخاف أن أعلق في بيتي لوحة لبومة ثمنها أكثر من ألف يورو كي لا أغري السارقين. وبعدها ندمت لأن زوجي كان على حق وأنا المخطئة، أي أن الذي اشترى اللوحة الأصلية باعها فيما بعد بملايين اليورو! وندمت لأنه كان بوسعي أن أربح ذلك المال كله لو استمعت إلى نصيحة زوجي – رحمه الله.

قصيدة نزار قباني ورسائله

في كتاب الأديبة سمر يزبك عني «غادة السمان: «المهنة كاتبة متمردة» تحدثت عن أمي التي لم أعرفها حقاً، فقد رحلت وأنا في الخامسة من عمري، وذكرت أن أمي كانت تكتب القصة والشعر وتنشر في الصحف بأسماء مستعارة، فهي ابنة مدينة اللاذقية المحافظة. وحين رحلت أمي شابة إثر ولادة عسيرة لها مع أخي الحبيب أقيم حفل تأبين لها، وكان من بين الذين تحدثوا فيه رثاء لها قريبي الشاعر نزار قباني الذي تعارف مع أمي بحكم القرابة العائلية مع أبي وأسرته، وبالتالي مع أمي. وفي حفل تأبينها ألقى نزار قباني قصيدة رائعة فنياً، وأعطاها لأبي، وطلب منه أن يعطيها لي حين أتعلم القراءة، وبالذات قراءة الشعر. والقصيدة في حوزتي بخط يده وقد نشرتها في مجلة «الحوادث» حين كنت أعمل فيها ولا أدري إذا كانت منشورة في أحد كتب نزار قباني لكنني أشك في ذلك. وحين سافر نزار من دمشق إلى مدريد، بحكم عمله في السفارة السورية في إسبانيا، كنت قد بدأت الكتابة والنشر في الصحف السورية وكان يراسلني من مدريد. وظلت قصيدته الرائعة في رثاء أمي تطارد ذاكرتي، ومما جاء فيها:
بعد عينيك مات حلو رنيني/ والغنوج الممراح من تلحيني/ ايه سمرائي الشهيدة.. لم أخلفت/ وعدي والعهد أن تصدقيني.. وعدنا كان أن ألاقيك في البشر/فكان اللقاء في التأبين/ في ليال ملونات بمغناك/ يسقسقن بالغنا والفنون/أين هدب يرش كحلاً طرياً/وحديث كداليات الحزون/نطقك الحلو أي نهر نبيذ/يتحدى الغايات في التبيين/وفم تهمر الطراوات إن فاه/فيجري مغسلاً بها للحون/في حجاك الكبير دنيا بلاغات/وكنز من البيان المبين/في الثلاثين يوم لفلفك الموت/عروساً لم تفرحي بالسنين/الثلاثون تلك عز الصبيات/وسن الورد والياسمين/مصرع الشيخ يستهان ولكن/لم تهن قط ابنة العشرين.

قصيدة رثاء طويلة

ويخاطبني نزار على لسان أمي في قصيدته التأبينية:
إيه.. يا غادتي الحبيبة أنت/العمر.. أنت الأضواء تهدي عيوني/غادتي إن تك الأمومة ديناً/بدم الأم.. أنت ديري وديني/انشري لي ضفيرتين تنوسان/أداعبهما فقد حان حنيني/لن تريني غداً.. لأضفر هذي الخصل السمر في يدي/لن تريني/من يلف الحرير في شعرك الطفل/ويطليه بالشذى والدهون/قربي من فمي فما يخجل الورد.. صغير التدوير والتكوين/والثمي أمك الجريحة بنيتي/فغداً لن أعيش كي تلثميني.. ثم يضيف نزار في قصيدته رثاء لأمي وحتى تنفسه؟

نزار يرثي نفسه

ويختم نزار قباني قصيدته التي ألقاها في حفل تأبين أمي بقصيدة يقوم فيها برثاء نفسه قائلاً:
أنا ابن العشرين تحت قميصي/جسم شيخ مخلع مرصون/لي وجود من الدخان ووجه/أنت من وهم صورتي لن تريني/في ثيابي شيخ وما أنا بالشيخ/ولكن تجنى عليّ شجوني/يأكل الحب صحتي والعذابات/كذا قد خلقت منذ تكويني/كم حبيب حُرسته.. يسكن الريش/المندس على ضفاف جنوني/لم أزل أصنع المراثي حتى/صار بي حاجة لمن يرثيني..!

غادة السمان