«ما تجيب سيرة»!

 

أقولها بصوت «سُمعة»، طيب السمعة والقلب، نجمنا المحبوب الممثل الكوميدي موسى الحجازين. رافقته هذه اللازمة «ما تجيب سيرة» منذ أن أخذ بيده العملاق نجمنا القدير الراحل نبيل المشيني «أبو عوّاد» صاحب المقولة التي لا زلنا نحتاجها كلما واجهنا ما يغث البال: «شي غاد»!

طال التطوير العمراني والتوغل الاسمنتي «حارة أبو عواد» وصار الوضع الإقليمي والدولي بحاجة إلى غضبة «أبو صقر». شتان بينه وبين سمعة. كما هو الفارق بين «غوار» و «الدغري» في شخصيات النجم السوري الكبير دريد لحام بارك الله في عمره. صار لازم نجيب سيرة أقله بالتلميح والنكتة البريئة والأمثال.

بعض الأمور لا ينبغي السكوت عنها. قد نسكت على المتسببين بها، ولذلك باب آخر، والله في الحالين من وراء القصد. في الوقاية من الإرهاب مثلا روجت الولايات المتحدة لرسالة إعلامية يعاد ضخها مرارا وتكرارا مفادها: إن رأيتَ شيئا قُل شيئا. الغاية إنه لازم «نجيب سيرة»، لكن طبعا لذلك آداب ومعايير وضوابط.

تم اعتماد هذه السياسة في الأردن قبل عقود من الناحية العملية. في ميادين شتى من ضمنها السلامة المرورية كالإبلاغ عن السائق الأرعن أو رَكنُ سيارة «غريبة» لا يعرفها أهل الحي في مكان ما أو بوضع مريب (غير طبيعي). ليس سرا أن الأجهزة المعنية -وكلنا نعرفها وتعرفنا كما تعرف العين العين، وكما تديمان النظر باتجاه واحد.

ليس خافيا على المواطنين الأردنيين ولا ضيوف المملكة، أن هناك من «يحب أن يسمع منّك» بقلب وصدر وذهن مفتوح كراعي الأسرة أو زميل أو متقاعد مختمر الخبرات. بمحبة وأناة يسمع منا هذا المحبّ الكبير ما قد لا يكون دائما خبرا أو معلومة. ففي كثير من المرسل والمتلقي بحسن استماع أو ما يعرف بالاستماع الإيجابي أي الإنصات، في ذلك دردشة أقرب ما تكون إلى الفضفضة. لا ضير بذلك إن سمح الظرف وبقيت الأمور في إطار الضيافة، فنجان قهوة أو زهورات، لا فرق ما دام كوب الماء النقي حاضرا.

في بعض البلاد، تسود نظم وثقافات تخاف من مجرد الفضفضة! تعتبرها ضعفا ولا ترى في الدردشة إلا ثرثرة! وكلاهما إضاعة للجهد وللوقت، للمال وللإمكانات والفرص. حتى كوفيد التاسع عشر، ثمة أدبيات وتقارير تكشف عن مشكلة ثقافية لدى الصين، وليس فقط الحزب الشيوعي الحاكم وحده، تتعلق بالشعور بالعار من وقوع خلل أو عطب حتى وإن كان عابرا أو صدفة. يقال أن سبب تفشي كورونا الذي سماه الرئيس الأمريكي السابق والمقبل على الأرجح دونالد ترامب، «فايروس ووهان» أو «الانفلونزا الصينية» على غرار «الانفلونزا الاسبانية»، سببه هو التكتم على تسرب الفايروس «المخلّق» من تجارب جرت بسرية عالية في مختبرات ووهان الحصينة.

في الشأن المحلي، سيما في الأمور التي يجوز فيها الأخذ والرد أو الانتظار لتحسن الأمور بما يلبي طموحنا، لطالما شجعت البعض على التجاوز عن غلطة هنا وعثرة هناك، لإبقاء المعنوية عالية، وسد ثغرات تسببها السلبية والسوداوية التي لا تخدم إلا أعداء الوطن، باستهدافها الأردن لا حكومته أو برلمانه أو أحد أحزابه.

لكن مقتضى الحال في كثير من الميادين، يدعو إلى تنحية «سُمعة» جانبا والوقوف إلى جانب «أبو صقر». لازم «نعلّم» من هم في مواقع المسؤولية وبالطرق المناسبة بحسب القنوات النظامية والخاصة. بعض الأمور لازم تصل. من باب الغيرة الوطنية لازم تصل ولكن حسب الأصول وبما يراعي «الأصول».

قطعا المكان ليس الفضائيات ولا المنصات، بما فيها حتى إعلامنا الوطني، لأن ثمة من يرصد ويجتزئ ويستغل ويكذب لخدمة أجندات أبعد ما تكون عن إقالة العثرات أو تصحيح المسارات. المكان المناسب قد يكون عبر أرقام تنشرها تلك المؤسسات المعنية للتواصل.

فإن كانت الغاية حبا وانتماء وولاء، والمراد صلاحا وإصلاحا، فلا أقلّ من إبقاء النصيحة أو الشكوى أو الملاحظة في أضيق نطاق. معلوم في تراثنا الروحي والحضاري، أن «النصيحة بجَمَل» على أن تحفظ آدابها، وذروة سنامها، السرية أو الخصوصية. يعني نجيب سيرة بدون ما نجيب سيرة! حتى نقول معا بصوت جهوري لمن هو خارج حارتنا وديرتنا: شييي غاااد!