جدوى أن نكتب مع الصديق داودية

حسين الرواشدة - هل ثمة جدوى من الكتابة الصحافية؟ يتساءل الصديق الاستاذ محمد داودية في مقالته في «الدستور»، وبعد ان  يستعرض بأسلوبه الانيق ما حدث للكاتب وللقارئ بين الامس واليوم، يجيب باختصار : ثمة جدوى وفائدة وأمل.
صحيح، ثمة جدوى وفائدة وامل ، لكن المهم بالنسبة للكاتب أن يحافظ على رؤيته ويبقى مخلصا لأفكاره وقرّائه أيضا، وهو بالطبع لا يعدم طريقة ما للتسلل الى جمهوره حتى في أصعب الظروف، وبالتالي فلا يجوز له أن يشعر بالإحباط، كما لا يحق له ان يلتمس العذر للاستقالة من الكتابة.
صحيح ايضا، رضا الناس في الغالب غاية لا تدرك، لكن رضا الضمير هو الأصل، وأعتقد أن القارئ ذكي بما يكفي للحكم على نزاهة الكتابة واستقامة الكاتب، والاستقامة هنا أدق واشمل من الشفافية والموضوعية فهي تجمع بين كل هذه القيم ضمن إطار أخلاقي يتسامى بالشخص الى ما وراء المجال الخاص ومصالحه واهوائه المعروفة.
أخطر ما يتعرض له الكاتب هو (قابلية) الانحياز، أو الوقوع في فخ الاقصاء الذي يجعله يشيطن الآخر، واسوأ ما يمكن ان تقرأه هو الكتابة التي لا ترى إلا بعين واحدة ولا تؤمن إلا برؤية واحدة، ولا تقيم وزنا للتعددية والاختلاف، ومفهوم التعددية هنا لا يتعلق فقط بتباين وجهات النظر بل بمصداقية ما يكتب سواء كنت معه أو ضده.
 لم تصل حرية الإعلام في عالمنا العربي الى الحد الذي يسمح للكاتب أن يعبر بصراحة عما يؤمن به من أفكار، او ان يواجه بالانتقاد ما يراه من تجاوزات على صعيد السياسات العامة، وهذه الحقيقة يدركها القارئ ايضا.. وربما تسعفه بتفهم أو قبول ما يكتب او ينشر حين لا يصل الى ما يتمناه من جرأة في معالجة الهم العام، فهو هنا لا يعدم المبررات والاعتبارات التي تفرض عليه الكتابة، وتمنع الكاتب من الدخول في صميم قضايا مجتمعه وما يحدث داخله من سجالات ومخاضات ومشكلات.
كل ما يمكن ان يقال حول ابواب التعبير لا يجوز ان يكون تبريرا لإحجام البعض عن النهوض بمسؤولية الكتابة الحرة وغير المقيدة - بإطار المسؤولية دائما - ولكن ربما نحتاج احيانا الى توضيح او رد على استفهامات كثيرة نسمعها عن جدوى الهروب من الكتابة في الموضوعات المحلية، وعن حدود حرية الكاتب في تناول القضايا العامة وعن مستوى المهنية الإعلامية السائدة، وعن الإطار الذي يتحرك داخله الإعلام كجهة رقابية وعلاقته بالحكومات وغيرها من الأسئلة التي تطرح على مهاد الإعلام، بخاصة حين يتعرض لمحنة أو حتى أزمة عابرة.
في اكثر من نموذج عايشناه - ولا نزال -، فرضت الاعتبارات التقليدية ذاتها على كل ما يمكن ان يقال او ينشر، واصبحنا امام خطاب أحادي الجانب، وهو خطاب مسكون بالخوف والارتباك وعدم القدرة على الاقتناع او الوصول الى الناس... ربما تكون الاعتبارات مفهومة لمن يقرأ بوضوح ذبذبات السياسة العامة وخياراتها لكن المشكلة كانت في الإخراج، هل كنا حقا نعدم مهارات وتقنيات واشخاصا أكثر كفاءة وقدرة على اخراج الحدث؟ ربما، لكن الإعلام كناقل وليس كصانع، لا يتحمل مسؤولية الإخفاق بقدر ما تتحمله جهات اخرى، ومع ذلك لا يسلم الكاتب - والإعلام عموما - من اللوم والانتقاد والإحساس بالمرارة وتأنيب الضمير.