إذا كان الغراب دليل قوم .. فلا فلحوا ولا فلح الغراب. بقلم/ المهندس خالد بدوان السماعنة

ديسمبر 03, 2024

 استهل مقالي بهذا البيت من الشعر على وزن "بحر الوافر" وإني لأعلم يقينا أن الكثيرين منا من قد يتم الصدر على وفق تمكنه من هذا البحر من الشعر ليقول مثلا: " ... سيهديهم إلى دار الخراب " أو يقول: "... يمر بهم على جيف الكلاب"، أو يقول مثلا: " ... فعيب القوم لا عيب الغراب"!!.

وقد أحسنت العرب بهذا البيت جدا لأنهم أكدوا من خلاله فشل التابع والمتبوع .. وكما قال الله تعالى: "وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون" ففي النهاية ماذا تنتظر من قوم أفرزوا من بينهم غرابا دليلا ومرشدا لهم .. ؟! فإن من اتخذ الدنيء مرتادًا واللئيم قوادًا فهو يسوقه لا محالة إلى سخفه أو يقع به إلى حتفه.

فسوء الدليل مرتبط بسوء المصير .. وإذا رأيت هذا المشهد فاعلم يقينا أن الله قد سلط هؤلاء على أنفسهم وأراد الله بهم خزيا في الدنيا وعذابا في الآخرة. بمعنى آخر : ذنوبهم غلبت وعلت حتى أذلهم الله فجعلوا الغربان واللئام والقوادين لهم دليلا.

شاهت الوجوه والله .. ولن نجد لسنة الله تبديلا ولا تحويلا .. 

يقول القرطبي رحمه الله تعالى: 

«هذا تهديد للظالم إن لم يمتنع عن ظلمه سلط الله عليه ظالماً آخر".

قال الفضيل بن عياض: إذا رأيت ظالماً ينتقم من ظالم فقف وانظر فيه متعجباً. 

وقال ابن عباس: إذا رضي الله عن قوم ولى أمرهم خيارهم وإذا سخط الله على قوم ولى أمرهم شرارهم.

بعبارة أخرى: ولى عليهم غربانهم.

وأنقل هنا كلاماً نفيساً لابن قيم الجوزية -رحمه الله- وكأنه يعيش واقعنا ومصائبنا، فيقول -رحمه الله- تعالى: 

«تأمل حكمة الله عز و جل في حبس الغيث عن عباده وابتلائهم بالقحط إذا منعوا الزكاة وحرموا المساكين كيف جوزوا على منع ما للمساكين قبلهم من القوت بمنع الله مادة القوت والرزق وحبسها عنهم فقال لهم بلسان الحال: منعتم الحق فمنعتم الغيث فهلا استنزلتموه ببذل ما لله قبلكم، وتأمل حكمة الله تعالى في صرفه الهدى والإيمان عن قلوب الذين يصرفون الناس عنه، فصدهم عنه كما صدوا عباده، صداً بصد، ومنعاً بمنع، وتأمل حكمته تعالى في محق أموال المرابين وتسليط المتلفات عليها كما فعلوا بأموال الناس ومحقوها عليهم وأتلفوها بالربا فجوزوا إتلافاً بإتلاف فقل أن ترى مرابياً إلا وآخرته إلى محق وقلة وحاجة، وتأمل حكمته تعالى في تسليط العدو على العباد إذا جار قويهم على ضعيفهم ولم يؤخذ للمظلوم حقه من ظالمه كيف يسلط عليهم من يفعل بهم كفعلهم برعاياهم وضعفائهم سواء بسواء، وهذه سنة الله تعالى منذ قامت الدنيا إلى أن تطوى الأرض ويعيدها كما بدأها  ... ومن له فطنة إذا سافر بفكره في هذا الباب رأى الحكمة الإلهية سائرة في القضاء والقدر ظاهرة وباطنة فيه كما في الخلق والأمر سواء، فإياك أن تظن بظنك الفاسد أن شيئاً من أقضيته وأقداره عار عن الحكمة البالغة، بل جميع أقضيته تعالى وأقداره واقعة على أتم وجوه الحكمة والصواب».

هذا كلام ابن القيم قبل قرون فكيف بزماننا هذا الذي استبعرت فيه النوق واستنوق فيه البعير وكثر فيه الخبث!!.