تَشَتُّت الطَّلبة : أَسبابه وطُرق العِلاج
بِقَلَم :
د. محمد يوسف أَبو عمارة
مَن مِنَّا لا يُعاني مِن كَثرَة تَشَتُّت أَطفاله أَثناء الدِّراسَة؟ وكَم مٍن مُعَلِّم اشتَكى مِن كَثرة تَشَتُّت طَلبته، بِرُغم أَنّه يَستَخدِم أَساليب تَدريس غَير اعتِيادِيَّة، بَل وكَم مِن شَخص لَدَينا عادَ بِذاكرته للوَراء لِيَتَذَكَّر حالات التَّشَتُّت التي كانَ يَمُرّ بِها!
التَّشَتُّت هُوَ نَوع مِن عَدَم التَّركيز الذِّهني الذي يَمُرّ بِه الشَّخص والذي يُؤَدّي بِه إِلى عَدَم القُدرَة عَلى استيعاب بَعض المَعلومات أَو تَذَكُّر المَعلومات السّابِقَة والسَّبَب هُوَ حُدوث انقِطاع عَن المُتابَعَة أَثناء التَّشَتُّت أَو السّرحان فبالتّالي تُصبِح المُتابَعَة صَعبَة لأنّ هُناك فَترَة انقِطاع ما بَين المَعلومات مِمّا يُصعّب فهمها.
وأَسباب عَدَم التَّركيز أَو التَّشَتُّت مُتَعَدِّدَة أُذكُر مِنها:
- انشغال الطَّلبة ذِهنيًّا بالآلات التّكنلوجيَّة كالهاتِف النَّقّال أَو الآيباد ومَواقِع التَّواصُل الاجتِماعي والأَلعاب الالكترونِيَّة والتي تأخذ الحَيِّز الأَكبَر مِن ذاكِرَة وَحياة الطّفل خاصّة إِذا كانَ يَمضي وَقتًا كَبيرًا باستخدامها والأَصعَب إِذا كان هذا الوَقت مُتّصل وغَير مُتَقطِّع، فَنَحنُ نَعلَم أَنّ هُناك عَدَد كَبير مِن أَولياء الأُمور يَنشغلون بالعَمَل لِساعات طِوال ويُترَك الطّفل مَع الآيباد أَو الهاتِف النّقّال لِساعات طَويلَة فَيُصبِح مُدمِنًا للالكترونيّات وللعالَم الافتِراضي ، وهذا السَّبَب يُعتَبَر مِن أَهَم أَسباب التَّشَتُّت وعَدَم التَّركيز، وتُؤَثِّر سوء التَّغذية وتَناوُل الوَجبات الجاهِزَة أَيضًا عَلى التَّركيز، وكذلك الإِرهاق الشَديد النّاتِج عَن قِلَّة النَّوم والسّاعات الطَّويلة باللّعب بالأَلعاب الإِلكترونِيَّة، بالإِضافَة إِلى الضغوطات النَّفسيَّة والاجتِماعِيَّة التي قَد يَتَعَرَّض لَها الطِّفل مِثل المَشاكِل العائِلِيَّة أَو حالات الوَفاة أَو مَشاكِل الطَّلاق، وأَيضًا قَد يعزى السَّبَب إِلى حالات الاكتِئاب أَو التَّعَب النَّفسي، بالإِضافَة إِلى أَنّ نَقص فيتامين B12 قَد يَكون أَحَد أَهَم أَسباب ضَعف التَّركيز، وكَثرَة المشتّتات في القاعات الصَّفيّة وأَحيانًا تَكون قِلَّة خِبرَة المُعَلِّم أَو عَدَم استخدامه لِطُرق تَدريس حَديثَة يُشرك بِها المُتعلّم بالعمليّة التَّعليميَّة أَحَد أَهَم الأَسباب ، فاستِخدام المعلّم لِأُسلوب المُحاضرة -مَثلًا- بالشّرح دونَ تَدعيم لذلك بالوَسائِل التَّعليميَّة أَو دونَ إِعطاء المُتَعَلِّم الدَّور الكَبير لِيَكون هُوَ مِحوَر العَمليّة التَّعليميَّة هُوَ مِن أَهَم أَسباب التَّشَتُّت.. ولِعلاج التَّشَتُّت وعَدَم التَّركيز فأَنا أَعتَقِد أَنّ هُناك عِدَّة أَدوار يَجِب أَن تَلعبها الأُسرَة مِن جِهَة والمَدرَسَة مِن جِهَة أُخرى،
فَعَلى الأُسرَة مُراعاة النّقاط الآتية:
- تَنظيم وَقت الدِّراسَة بالنّسبة للطالب وذلك بِعَمَل بَرنامِج للوَقت الذي يدمج ما بَين الدِّراسَة والاستِراحَة ومُتابَعَة الالتِزام بذلك البَرنامِج ، ومُراعاة بأَنّ الأَطفال ما دونَ الثّامِنَة لا يَزيد تَركيزهم أَكثَر مِن ربع ساعَة بَينما يَستطيع الأَكبَر سِنًّا التَّركيز لِمُدَّة أَربعون دَقيقَة يَليها استِراحَة ثُمَّ العَودَة مَرَّة أُخرى لِنَفسِ الوَقت.
- ضَبط استِخدام الأَجهزة التكنولوجيَّة وتَخصيص وَقت مُحَدَّد لذلك الاستِخدام مَع مُتابَعَة المَواقِع والأَلعاب التي يَستخدمها الطّالب.
- تَدريب الأَبناء عَلى اعتِماد الكتابَة عِندَ الحِفِظ بَدَلاً مِن التَّسميع الشَّفهي بِسَبَب أَنّه بالكِتابَة نَستَخدِم أَكثَر مِن حاسَّة وبالتالي يَزيد تَركيز الطّالِب بالإِضافَة إِلى أَنّه يَتجاوَز الأَخطاء الإِملائِيَّة عِندما يَكتُب ويُقارِن ما كَتَب مَع الأَصل.
- مُتابَعَة أَن يَنام الطّالِب عَدد ساعات لا يَقِل عَن ثَمان ساعات يَوميًّا ومَنع استِخدام الأَجهزة النّقّالَة لَيلاً ويُفضَّل سَحبها مِن غُرفَة النَّوم قَبل النَّوم بِساعَة.
- تَدريب الأَبناء عَلى التَّلخيص وعَلى عَمَل خَرائِط مَفاهيميَّة لتَسهيل استِرجاع المادَّة عِندَ طَلبِها، ولا ضَير مِن أَن يُشاهِد الآباء والأُمّهات فيديوهات تُرشدهم إِلى آليّات عَمَل الخَرائِط المَفاهِيميَّة.
- مَنع استِخدام المُنَبِّهات خاصَّة مَشروب الطّاقَة المُنتَشِر بِكَثرَة هذه الأَيّام.
- مُحاوَلَة سَحب الأَبناء تَدريجيًّا مِن استِخدام مَواقِع التَّواصُل الاجتِماعي أَو ضَبط استخدامها لأنّها تُعتَبَر مِن أَكبَر المُشتّتات.
- تَدريب الطَّلَبَة عَلى عَدَم تَأجيل الدِّراسَة أَو القِيام بِها أَوّلًا بِأَوَّل، لِأَنّ التَّأجيل يُسَبِّب الكَسَل والتَّراخي.
- استِخدام الوَقت الأَمثل للدِراسَة كَوَقت الفَجَر.
- عَدَم المَشي أَثناء الدِّراسَة لأَنّ ذلك يُعتبر مشتّتًا وسيلفت انتباهه العَديد مِن الأَشياء المُلفِتَة المَوجودَة عَلى الجدران أَو في المُحيط الذي يَدرُس فيه.
وبالنّسبة للمعلّم والمَدرَسَنة فَأَنا أَقتَرِح عَلى الزُمَلاء المُعلّمين ما يَلي:
- مُحاوَلة التَّنويع بأَساليب التَّدريس واشراك جَميع الطَّلَبَة بالدَّرس مِن خِلال تَشغيل أَكبَر عَدَد مِن الحَواس، فالقاعِدَة تَنُصّ عَلى أَنّه كُلَّما زادَ عَدَد الحَواس المُستَخدَمَة بالتَّعليم كانَت الفائِدَة أَكبَر والتَّركيز عَلى الطَّلبَة الأَكثَر تَشَتُّتًا ومُتابعتهم بِذكر أَسمائهم خِلال الشَّرح وتَوجيه أَسئِلَة مُباشرة لَهُم حَتّى يَبقوا في حالَة يقظة مُستمرَّة.
- استِخدام المُعَلِّم خِبرته بِرَبط المَعلومات السّابِقَة بالحالِيَّة لِيتكوّن لِدى الطَّلبَة بِناء قَوي ومُتَسَلسِل مِن المَعلومات.
- تَدريب الطَّلَبَة عَلى عَمَل المُلخّصات والخَرائِط المَفاهيميَّة.
- عَمَل مُراجَعَة مًستَمِرَّة للمَواد والتَّأَكُّد مِن تَمَكُّن الطَّلَبَة مِنها.
- تَحويل الحالات المُستَعصِيَة إِلى قِسم الإِرشاد والصِّحَة النَّفسية بالمَدرَسَة لِمتابعتهم والوُقوف عَلى مَشاكلهم إِن وُجِدَت والاستِعانَة بأَولياء الأُمور لإِنجاح عَمليّة تَعديل السّلوك.
وبالمُحَصِّلة وَمِن خِلال خِبرَتي فإِنّ المُعَلِّم المُتَمَيِّز يَستَطيع أَن يُلفِت انتِباه جَميع طَلبته وأَن يُشركهم جَميعهم بالدرس مِن خِلال استِخدام بِدايَة جاذِبَة وتَقديم المَعلومات بِطَريقَة سَلِسَة ولَطيفَة وبِصَوت مُتَغَيِّر النَّبرات مُستَخدِمًا الوَسائِل المُختَلِفَة والتي تخدم الحصّة الصَّفيَّة.
ولا شَكَّ بأَنّ كَثرَة التَّشَتُّت هِيَ مِن أَهَم أَسباب تَدني مُستَوى التَّحصيل الدِّراسي والذي يَجِب مُعالجته مِن جذوره وبِشَكل مُبَكِّر لِكَي لا يُصبِح حالَة مًستعصِيَة يَصعب عِلاجها مَع الوَقت.