تفكيك محور إيران… ونهاية حقبة الأسد؟

استكمالا لمقالي الأسبوع الماضي في «القدس العربي»: انتكاسات إيران ومحورها، عددّت قائمة انتكاسات متتالية منيت بها إيران ومحورها وحلفاؤها خلال هذا العام. وجهت إسرائيل ضربات متتالية لإيران. وأطلق رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنييت عقيدة «ضرب رأس الأخطبوط(إيران) وحتى منشآتها النووية»-وعدم الاكتفاء بضرب أذرع إيران في المنطقة». ردت إيران في سابقة بضرب إسرائيل مباشرة بالصواريخ البالستية والمسيرات مرتين في أبريل وأكتوبر الماضيين انتقاما من اعتداءات إسرائيل.
تحرير المعارضة السورية لحلب وما بعدها، يشكل انتكاسة كبرى للنظام السوري ورعاته وإيران وميليشياتها. وسيعزز قوة ومكانة وتماسك المعارضة بربط حلب بإدلب والمناطق المحررة.
وبرغم تخلي الأسد عن حليفه حزب الله، في أحلك ظروفه بعدوان إسرائيل على معقله واغتيال قياداته السياسية والعسكرية-على رأسهم الأمين العام حسن نصرالله وفرقة الرضوان-أعلن نعيم قاسم الأمين العام الجديد خليفة نصرالله «وقوف الحزب إلى جانب سوريا لإحباط أهداف المجموعات الإرهابية التي تريد إسقاط النظام وتوعد «لن يتمكنوا من تحقيق أهدافهم، وسيقف حزب الله إلى جانب سوريا في إحباط أهداف العدوان الذي ترعاه أمريكا وإسرائيل».
في رجع صدى اتهامات وزير الخارجية السوري الجديد ـ مؤكداً الهجوم على حلب يأتي لخدمة أهداف مشروع الكيان الإسرائيلي ورعاته… ويتهم وزير خارجية إيران عباس عراقجي ـ »أمريكا وإسرائيل بالتخطيط لهجمات المعارضة السورية».
وبعد فوات الأوان على إنقاذ الأسد، عقد محور إيران ـ وزراء خارجية إيران والعراق وسوريا اجتماعا في بغداد للتنسيق وتأكيد وقوفهم إلى جانب وحدة وسيادة سوريا(المنتهكة من دول وتنظيمات).
وكان ملفتاً تعليق الرئيس التركي (أن بلاده تدعم بعض فصائل المعارضة المسلحة السورية)-»وصل الصراع في سوريا إلى مرحلة جديدة، ومددنا يدنا للأسد ولكنه رفض.. يجب على النظام السوري إشراك شعبه بشكل عاجل من أجل التوصل إلى حل سياسي شامل». وبسقوط حلب وحماة دخل الثوار إلى دمشق.

تواطؤ النظام الدولي بقيادة الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا وإيران وإسرائيل بازدواجية معايير لبقاء النظام مع إدراكهم وحشيته على مدى عقود، وخاصة منذ الثورة عام 2011 التي عسكرها، بقتل مئات الآلاف وأجبر نصف الشعب السوري على النزوح في الداخل واللجوء إلى الخارج بما تجاوز 13 مليون سوري

تُطرح أسئلة حول أسباب وتوقيت وتداعيات ترنح المعارضة وانهيار وفرار جيش النظام منذ 27 نوفمبر. وكيف تمكنت الفصائل السورية بقيادة «هيئة تحرير الشام»-المصنفة إرهابية من الولايات المتحدة ويتزعمها الجولاني-من حشد فصائلها انطلاقا من معقلهم في إدلب في عملية «ردع العدوان»-واكتساحها وتساقط مدن سوريا وأريافها، وتغير خطابها لطمأنة السوريين المشككين وخاصة الأقليات المسيحية والعلوية، بأن الفتح ليس لإقصائهم ولا للانتقام. بل هدفه تحرير الشعب من نير النظام الجاثم على شعبه لعقود، ومصادرة حرياتهم والتنكيل بشعبه منذ انقلاب البعث الثاني بقيادة وزير الدفاع حينها حافظ الأسد عام-1970 حتى 2000 وحكمه سوريا بالحديد والنار على مدى ثلاثين عاما، ليورّث الحكم لابنه بشار ليكمل مسيرة والده.
يدحض سرديات النظام ورعاته وأنصاره في الداخل ومحور إيران الذين يصفون المعارضة السورية المسلحة بالجماعات الإرهابية، استقبال المواطنين المقموعين لعقود، مقاتلي الفصائل المسلحة في شوارع ومدن حلب وحماة وحمص ودير شيخون والرستن وتبليسة وأريافها ودرعا في الجنوب، بالتكبير والزغاريد والفرح. بدا المشهد وكأن الفصائل قوات تحرر شعبها من احتلال غاشم وليس من نظام الأقلية الذي حكم الأغلبية بالقمع والاعتقال والتعذيب والقتل. والمطلوب استمراره إسرائيليا وإقليميا ودوليا، برغم جرائمه لحفظ الأمن وخاصة في الجولان المحتل.
وكان ملفتاً تبرير تفضيل بقاء نظام الأسد برغم جرائم ووحشية نظامه، لكون البديل أسوأ من الأسد، حكم الجماعات الإسلامية المتطرفة. سواء كانت انشقاق هيئة تحرير الشام بقيادة الجولاني عن تنظيم القاعدة وفصائل إسلامية متشددة، بما فيها داعش لتبرير بقاء النظام لدواع أمنية. ولذلك غضت الأنظمة الدولية والإقليمية-وقادت دول عربية تطبيع العلاقات مع نظام الأسد، وفتحت سفاراتها، بعد تعليق عضوية سوريا منذ عام 2011، ودعوته للمشاركة في قمم عربية وإسلامية منذ عام 2023، وكان مقززا دفاع الجلاد في خطبه المنافقة عن الفلسطينيين في غزة، بينما كان يقمعهم في مخيم اليرموك وينكل بهم في سجونه.
وتواطؤ النظام الدولي بقيادة الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا وإيران وإسرائيل بازدواجية معايير لبقاء النظام مع إدراكهم وحشيته على مدى عقود، وخاصة منذ الثورة عام 2011 التي عسكرها، بقتل مئات الآلاف وأجبر نصف الشعب السوري على النزوح في الداخل واللجوء إلى الخارج بما تجاوز 13 مليون سوري، لتصبح سوريا الدولة الأولى المصدرة للاجئين في العالم. ومع ذلك وبكل استخفاف بشعبه فاز بشار الأسد برغم سجله الحافل بالجرائم والقتل والإبادة وانهيار الاقتصاد والعملة وانعدام الأمن والأمان والحياة الكريمة، فاز بولاية رابعة في مايو 2021-لسبع سنوات بـ95.1 في المئة من الأصوات في انتخابات وصفتها المعارضة السورية «بالمهزلة» وسبق فوزه بولاية ثالثة عام 2014بـ85 في المئة برغم تسببه بوضع كارثي للسوريين!!
بتنا على أبواب تحولات جديدة، تعيد هندسة التحالفات، وحتى تشكل شرق أوسط جديد؟!

د. عبدالله الشايجي

استاذ في قسم العلوم السياسية ـ جامعة الكويت