الجزائر تستدعي السفير الفرنسي بعد “أعمال عدائية”
أفادت مصادر دبلوماسية جزائرية باستدعاء السفير الفرنسي في الجزائر، ستيفان روماتيه، إلى وزارة الشؤون الخارجية الأسبوع الماضي، لإبلاغه استياء الجزائر العميق ورفضها القاطع لما وصفته بـ”الأعمال العدائية الفرنسية المتكررة”. يأتي ذلك في سياق توتر شديد تشهده العلاقات بين البلدين على خلفية الموقف الفرنسي الجديد من قضية الصحراء الغربية.
ونقلت صحف جزائرية بينها يومية المجاهد الحكومية عن مصادر دبلوماسية وصفتها بالرفيعة، أن هذا الاستدعاء يمثل تحذيراً شديد اللهجة من الجزائر إلى باريس، في أعقاب الكشف عن تورط جهاز المخابرات الفرنسية (DGSE) في مخططات تهدف إلى زعزعة استقرار الجزائر. وذكر المصدر ذاته أن “وزارة الخارجية الجزائرية عبّرت عن رفضها التام لهذه التصرفات، واعتبرت أنها تجاوزت كل حدود المقبول”، مشيرة إلى أن “الجزائر لن تقف مكتوفة الأيدي أمام هذه الانتهاكات، بل ستتخذ كل التدابير اللازمة لحماية سيادتها ومصالحها الوطنية”.
وتأتي هذه التطورات حسب “المجاهد” بعد كشف تفاصيل حول تورط الاستخبارات الفرنسية في حملة لتجنيد عناصر إرهابية سابقة من الجزائر، من بينهم المدعو عيساوي محمد أمين (35 عاماً)، الذي تحدث لقناة الجزائر الدولية عن محاولة تجنيده من قبل عناصر مخابراتية فرنسية. وأشارت الصحيفة إلى أن هذه المؤامرات تم إحباطها بفضل كفاءة الأجهزة الأمنية الجزائرية، معتبرة أن هذه المحاولات “ممارسات خبيثة” تعكس إصرار بعض اللوبيات الفرنسية على استهداف الجزائر بأساليب غير مشروعة.
وبدا من تعليق الجريدة التي تعبر في العادة عن المواقف الرسمية، أن القضية الأخيرة كانت القطرة التي أفاضت الكأس، فقد سبقتها عدة تراكمات جعلت من الضروري استدعاء السفير. وتحدثت الصحيفة في السياق عن قرار الجزائر في يوليو الماضي، عن سحب سفيرها من باريس بعد إعلان فرنسا دعمها لخطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء الغربية، وهو ما وصفته الجزائر بأنه تجاوز غير مسبوق من قبل أي حكومة فرنسية سابقة.
إلى جانب ذلك، لفتت الصحيفة إلى استمرار الحملات الإعلامية الفرنسية ضد الجزائر، والتي ازدادت حدتها بعد اعتقال الكاتب بوعلام صنصال، بعد مواقفه المثيرة للاستهجان بشأن وحدة التراب الجزائري. وأشارت إلى أن العديد من وسائل الإعلام الفرنسية استغلت هذا الحدث لتصعيد حملتها ضد الجزائر، إلى جانب تصريحات وصفتها بالـ”مسيئة” من أسماء فرنسية مثل برنارد هنري ليفي (وصفته بالدموي)، الذي هاجم المسؤولين الجزائريين بعبارات وُصفت بأنها “مشينة وعدائية”.
وأضافت “المجاهد” أن هذه الحملات الإعلامية والسياسية ليست سوى امتداد للممارسات العدائية التي تشمل دعم باريس لعناصر من حركات معادية للجزائر، مثل “ماك” (حركة انفصالية في منطقة القبائل) و”رشاد” (تنظيم ينشط قادته في الخارج)، فضلاً عن ضبط شحنات أسلحة وذخيرة مصدرها فرنسا في ميناء بجاية، ما اعتبرته السلطات الجزائرية مؤشراً خطيراً على انخراط أطراف فرنسية في أعمال تهدد الأمن القومي.
وتنظر الجزائر وفق الصحيفة، إلى هذه التطورات باعتبارها مساساً غير مقبول بمبادئ العلاقات الثنائية القائمة على الاحترام المتبادل. وشددت على أن استدعاء السفير الفرنسي يحمل رسالة سياسية قوية تعكس موقف الجزائر الحازم في مواجهة الاستفزازات الفرنسية، مشيرة إلى أن الجزائر تلتزم بضبط النفس وتتعامل مع هذه القضايا في إطار الأعراف الدبلوماسية، لكنها لن تتردد في اتخاذ الخطوات الضرورية للدفاع عن كرامتها وسيادتها.
وفي السنوات الأخيرة، باتت الجزائر عبر قنواتها الإعلامية الرسمية، لا تتحفظ على توجيه أصابع الاتهام إلى المخابرات الفرنسية في القضايا التي تخص الأزمات بين البلدين. ففي شباط/فبراير سنة 2023، وُجّه اتهام مباشر للمخابرات الفرنسية بالتورط في تهريب الناشطة أميرة بوراوي التي غادرت الأراضي الجزائرية باتجاه تونس بطريقة غير قانونية ثم عبرت من هناك نحو فرنسا بمساعدة القنصلية الفرنسية في تونس، علما أن هذه الناشطة التي تحمل أيضا الجنسية الفرنسية كانت متابعة أمام القضاء الجزائري وكانت ممنوعة من السفر.
وحينها، كتبت وكالة الأنباء الجزائرية برقية نارية جاء فيها “الجميع يعلم أنه يوجد على مستوى المديرية العامة للأمن الخارجي الفرنسي، خطة تقضي بتقويض العلاقات الجزائرية-الفرنسية، يتم تنفيذها من قبل عملاء سريين و”خبارجية” وبعض المسؤولين على مستوى المديرية العامة للأمن الخارجي الفرنسي ووزارة الخارجية الفرنسية وكذا بعض المستشارين الفرنسيين من أصل جزائري لا يخفون ولعهم وتبجيلهم للمخزن”.
وبالعودة للسياق الحالي، يرى الإعلام الجزائري المقرب من السلطة أن الأهداف الحقيقية لهذه الحملة الفرنسية ضد الجزائر، هي تحويل الأنظار عن الأزمات الداخلية في فرنسا باستخدام الجزائر كـ”كبش فداء”. واعتبرت صحيفة “المجاهد” أن هذه الممارسات تعكس “هوساً مرضياً” لدى بعض الأطراف الفرنسية تجاه الجزائر، بينما تواجه فرنسا نفسها تحديات سياسية واجتماعية كبيرة.
واللافت هذه المرة أن الخارجية الجزائرية لم تصدر بيانا حول استدعاء السفير الفرنسي واكتفت بنقل التحذير الموجه لبلاده عبر صحف محلية. وتشير هذه التطورات إلى وصول الأزمة الدبلوماسية إلى ذروتها بين البلدين، بعد أن كان مقررا أن تدخل عهدا جديدا بمناسبة الزيارة التي كانت مقررة للرئيس عبد المجيد تبون بداية شهر أكتوبر والتي تم إلغاؤها. وتتخذ الأزمة الحالية طابعا مختلفا عن سابقاتها التي كانت مربوطة بتصريحات أو مواقف كان يمكن تجاوزها مع الوقت بتغير المسؤولين، فقد أقحم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بلاده في مواقف جديدة كليا في قضية الصحراء الغربية التي تدافع فيها الجزائر عن مبدأ تقرير المصير، ما يرهن مستقل العلاقات بين الدولتين مستقبلا.