ما بعد البغدادي
حسين الرواشدة -من هو المرشح لخلافة البغدادي..؟ الاسماء هنا قد تمنحنا بعض الاشارات لما سيكون عليه مصير التنظيم الارهابي، وخاصة فيما يتعلق بمسيرته الدموية، لكن الاهم من الاسماء هو قدرة داعش على «التكيف» مع الهزائم التي لحقتها والنهوض مجددا، السيناريوهات هنا متعددة، منها اشهار اسم الخليفة كرمزية للتوحد والاستمرار، او اخفاؤه كمخرج من الملاحقات الامنية، او استقلال الفروع، اوتشظي التنظيم الى تنظيمات مجهولة الهوية.
باختصار، نهاية داعش كدولة، وربما كتنظيم، أصبحت على مرمى العصى، لكن داعش ليست مقطوعة الجذور ولا النسب، فهي امتداد لتاريخ عميق وطويل من حركات التطرف، فمن ذات «التربة» خرج الخوارج قديما، كما خرجت القاعدة وطالبان وجماعة التكفير والهجرة، وفي العراق تحديداً كانت داعش «وريثاً» للإمارة الإسلامية في العراق التي «ذابت» لمدة عشر سنوات بعد ان انتصرت عليها (2008)الصحوات العراقية.
داعش، كفكرة باختلاف نسخها هنا ظلت «حية» لأسباب متعددة، منها ما يتعلق بالظروف الموضوعية التي افرزتها على صعيد الذات والمجتمعات العربية، ابتداءً من الاستبداد والظلم والتخلف، وانتهاءً بالصراعات والحروب التي دارت على حدود الدين الواحد والمذهب والطائفة، ومروراً بعلاقة الذات مع الآخر وما تولد من «قهر» واسئلة معلقة لم تجد اجوبتها الاّ في «مخيلة» البحث عن المخلص، مهما كان متوحشاً، وصولاً الى قدرة داعش – كطفرة في الحركات الإرهابية- على تطوير بنيتها الايدولوجية وادواتها في التسويق والاقناع والتجنيد ايضاً.
هنا على صعيد البنية يمكن الإشارة الى ثلاث مسائل على الأقل تضمن استمرار خطر داعش كفكرة، الأولى ما فعلته على صعيد «المرونة» الايدولوجية في استخدام المرأة والأطفال وفي «استغلال» النصوص الدينية لتبرير التوحش المطلق، او في استغلال الصراع الطائفي والمذهبي بشكل انتقائي، وفي التداخل السياسي تبعاً للمصالح مع مختلف الفاعلين في المنطقة، أما المسألة الثانية فهي ان داعش التي «تكفّر» الغرب نجحت في استخدام أحدث ما توصل اليه من تكنولوجيا في مجال الاتصال، وبذلك نقلت حروبها الى الفضاء الالكتروني، ووظفت «ماكينة» الاعلام بحرفية لتسويق فكرتها وتجنيد المقاتلين في صفوفها، وبالتالي أصبحت «ولاياتها» منتشرة في اكثر من (25) دولة وذئابها المنفردة في كل مكان.
تبقى المسألة الثالثة وهي «اللامركزية» التي اعتمدتها في تنفيذ عملياتها الإرهابية، وهي سمة مكنتها من تشكيل قوى نائمة وغير معروفة يمكن ان تتحرك بحرية وبدون «أوامر» لتنفيذ ما تفرضه الفكرة الداعشية من التزامات تتطابق تماماً مع الهدف الذي يريده التنظيم حتى وان فقد السيطرة او غاب من خرائط الجغرافيا ايضاً.
يبقى سؤال ما بعد داعش «معلقاً» أيضا بلا إجابات، ليس فقط لأن مصير داعش مازال ملتبساً وانما لأن مصير عالمنا العربي وخاصة العراق وسوريا مازال غامضاً أيضا، هنا تبرز قضايا مثل الاعمار لهذا الخراب الذي جرى على صعيد الانسان والعمران، والفراغ الذي ستملأه حركات وجماعات ربما تكون أسوأ من داعش، والمظلومية التي لم تنته وربما تولد سلسلة من «الانتقامات» المتبادلة، والصراع الدولي والإقليمي الذي لم يرد ان يطبق على المنطقة ويحدد مستقبلها، ودعوات الفصل التي تطل برأسها من كل مكان وآخرها إقليم كردستان الذي سيجرى التصويت على انفصاله في أيلول القادم.