طريق عمان ـ دمشق «سالكة بصعوبة وحذر شديد»: الأمني يسبق السياسي والتفاعل بـ «التقسيط»

يحافظ الأردن بوضوح على مسافة مصنفة بأنها مسافة أمان حتى الآن سياسياً، عندما يتعلق الأمر بإدارة منظومة تفاعل المؤسسات الرسمية مع الإدارة الجديدة في سوريا المجاورة.
والمعنى هنا وفقاً للخبراء الذين يراقبون المشهد، أن طريق عمان دمشق بحلتها الجديدة لا تزال سياسياً وعرة قليلاً، وتستخدم بحذر شديد خشية المطبات والكمائن والاحتمالات.
الانفتاح الأردني الحدودي والأمني مع الحكومة الجديدة في دمشق يتبع مسار القطعة والتقسيط والحفاظ على توازن التموقع في مسافة أمان حتى سياسياً وإجرائياً، في مقدمة ملموسة توحي بأن إدارة الملف مع الحكم السوري الجديد لا تزال في السياق الأمني حتى اللحظة ولم تنتقل إلى السياق السياسي إلا عبر البروتوكولات التي قررتها اجتماعات العقبة.
المعنى هنا سياسياً، أن الأردن لديه قرار بالبقاء ضمن منظومة لقاءات العقبة تحت لافتة المجتمع الدولي والأطراف الإقليمية والسقف الأمريكي. وهو وضع قد يؤسس لفقدان مكاسب سياسية، برأي السياسي مروان الفاعوري، الذي يقترح مجدداً عبر “القدس العربي” تجاوز مرحلة الحساسيات والحسابات المعقدة والحرص على خطوات محسوبة تعود على البلاد بمكاسب سياسية وأخرى اقتصادية بدلاً من البقاء مجدداً في دائرة الخيارات الضيقة.
يحاجج كثيرون من بينهم الفاعوري، بأن على عمان أن ترحب أكثر بالتغيير الذي حصل في سوريا، وأنها ليس شرطاً أن تضع على خطواتها قيوداً تشبه بعض الدول العربية التي تنظر للثورة الناعمة في سوريا بارتياب بسبب مشكلات بين أنظمتها وشعوبها وليس بسبب ظروف موضوعية.
الجدال يحتدم بين الأردنيين، ليس فقط تحت قبة البرلمان ولكن في المنتديات السياسية. وعنوان النقاش دوماً هو كيفية التعاطي مع الحدث الاستثنائي عند الجارة دمشق، وسط خشية مرحبين كثر بالتغيير الحاصل في سوريا من أن تأتي الدولة الأردنية متأخرة، وهو الأمر الذي سبق أن تسبب بمعاناة في الماضي.
حاول نشطاء بارزون طوال الوقت، بينهم البرلماني صالح العرموطي والنقابي البارز أحمد أبو غنيمة وغيرهما، حث حكومة بلادهم على الإسراع في خطوات دعم الثورة السورية ومساندتها والتقليل من مساحة التحفظات.
لكن المجسات الأردنية لا تزال متحفظة خشية سوء الاختيار والانتقاء. وسياسة التحفظ، برأي بعض السياسيين والكتاب، مطلوبة إلى أن تستقر الأمور عند الإدارة الجديدة للدولة السورية.
يطرح الأردنيون في الغرفة المغلقة تساؤلات يعتبرونها شرعية تماماً، وأهمها: ما موقف ثوار الأمس حكام اليوم في دمشق، من الأردن؟ هل يمكن للتيارات الإسلامية الأردنية بشقيها السلفي الجهادي والإخواني، العودة إلى سياسة انتهازية في استغلال المشهد السوري؟
ثمة سؤال ثالث على الطاولة الرسمية، تفترض الدوائر العميقة أنه مهم أيضاً: ما هو موقف فصائل وقادة وأركان هيئة تحرير الشام الحاكمة بصورة محددة وتفصيلية، من الأردن؟
ومن الصعب الإجابة عليها دون انتظار. والقفز على المخاوف والأسئلة يمكن تصنيفه رسمياً بالتعجل والاستعجال والمجازفة.
وما بين كلف التقدم نحو تشبيك الأيادي أكثر مع حكام دمشق الجدد وكلف الانتظار قليلاً، يتحدث كبار المسؤولين عن فوارق وعلامات تحتاج لضبط إعدادات وتنظيم سياسي قبل تحديد الخطوة المقبلة.
وفي مساحة الفوارق في الكلف والفواتير مخاوف حقيقية من ارتفاع فاتورة الإصرار على قراءة المشهد السوري حصراً من زاوية الاعتبار الأمني، حيث المسألة اقتصادية وليست أمنية فقط.
رغم ذلك، اتبعت الحكومة الأردنية حتى اللحظة بروتوكولاً وسطياً يؤمن بإدارة العلاقة مع دمشق الجديدة في هذه المرحلة بدون تسرع وبنظام القطعة والتقسيط فعلاً، وسط الاستمرار في مراقبة التفاصيل، مع أن الحلفاء الكبار مثل الولايات المتحدة يندفعون بوضوح باتجاه إدماج وضم الإدارة السورية الجديدة، حتى إن باربرا ليف الدبلوماسية الكبيرة في الخارجية الأمريكية وطاقمها زارا دمشق والتقيا ثوارها انطلاقاً من عمان.
ومنهجية القطعة والتقسيط واضحة الملامح هنا.
عصر السبت، أعلنت الحكومة الأردنية أنها تسمح للصادرات السورية بالانتقال وفقاً لبروتوكول الترانزيت، عبر الأراضي الأردنية، لكن الشاحنة السورية لا تستطيع العبور، والمطلوب منها تفريغ حكومتها إذا كانت صادراتها باتجاه دول الخليج. أما القطاعات الأردنية فلا يزال محظوراً عليها تصدير المنتجات إلى السوق السورية.
يسمح الأردن بتصريح مسبق للأجانب بالعبور إلى سوريا. لكنه يمنع الأردنيين إلا في حالات محددة ونادرة، وتستقبل الحدود أي أردني عائد إلى بلده، وتشجع اللاجئين على العودة إلى بلادهم. وحتى اللحظة، لا يوجد طرف آخر حكومي سيادي على الجانب السوري، إلا أن العلاقات الجمركية مستمرة إلى حد ما.
التماس والتبادل الحدودي يدار أردنياً بحذر شديد. والأهم أن الخارجية الأردنية لم تتعجل إعادة افتتاح السفارة الأردنية في دمشق أو تسمية سفير للتعامل مع الحالة الجديدة، كما فعلت دول أخرى مثل تركيا والسعودية وقطر، فيما لا تبادل رسائل معلناً عنه على الأقل بين الحكومة الأردنية وقادة وأركان هيئة تحرير الشام الحاكمة. وهي خطوة يرى ساسة متفاعلون بأنها خاطئة من جهة عمان.
الفكرة في النظرة الأمنية المتفحصة أن العلاقات ينبغي أن لا تنفتح كثيراً بدون منظومة اتصالات تجيب الاعتبار الأمني الأردني على تساؤلاته، خصوصاً أن نوايا حكام دمشق الجدد تجاه الأردن غير معروفة بعد، لأن استقرار العملية الجديدة برمتها غير مضمون، برأي الأردن، الأمر الذي يبرر ضمناً التفاعل الحذر والمقسط، والوقوف في مسافة أمان.

بسام البدارين 

القدس العربي