هل سيضرب ترامب المنشآت النووية الإيرانية؟

أطلق العديد من الصحف والمنصات الإعلامية تكهنات حول تغير عقيدة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب بخصوص مواجهة مخاطر البرنامج النووي الإيراني. فبعدما كان منهج ترامب في ولايته الرئاسية الأولى منصبا على الانسحاب من مشاكل الشرق الأوسط، ودعم الجهود المحلية لمعالجة أزمات الشرق الأوسط، ممثلة في تحالف بعض الدول العربية مع إسرائيل لمواجهة التمدد الإيراني في المنطقة.

الكل يتذكر تصريحات ترامب المتكررة حول عزوفه، أو عدم تحبيذه خوض الحروب، بينما نراه في مطلع ولايته الثانية يصرح باحتمالية لجوئه إلى الحل العسكري لمنع إيران من الوصول إلى عتبة إنتاج السلاح النووي. ففي حملته الانتخابية، صرح دونالد ترامب يوم 5 تشرين الأول/اكتوبر أثناء حدث انتخابي في نورث كارولينا. إذ قال؛ إن» إسرائيل يجب أن تضرب المنشآت النووية الإيرانية ردا على وابل الصواريخ الأخير الذي أطلقته إيران تجاه إسرائيل». بينما سُئل الرئيس جو بايدن بعد يوم واحد من إطلاق إيران أكثر من 180 صاروخا على إسرائيل، عما إذا كان سيدعم الضربات ضد المواقع النووية الإيرانية فقال: «الإجابة هي لا طبعا». بينما علق ترامب من جانبه على كلام بايدن: «أعتقد أنه مخطئ في هذا الأمر. أليس هذا ما يُفترض أن تضربه؟ أعني، إنه أكبر خطر لدينا، الأسلحة النووية». وأضاف عندما سألوه هذا السؤال، «كان ينبغي أن تكون الإجابة، ضرب النووي أولاً، والقلق بشأن الباقي لاحقا».

هذه التعليقات فتحت بابا واسعا لمناقشة تقارب الرئيس المنتخب مع سياسات حكومة اليمين الإسرائيلي المتطرفة، التي يقودها بنيامين نتنياهو التي أشعلت المنطقة بالصراعات والحروب والضربات العسكرية، ويبدو من تصريحات ترامب المبكرة أنه يعتزم الوقوف وبقوة مع سياسات نتنياهو التصعيدية في المنطقة.

وفقا لـ»وول ستريت جورنال» يدرس الرئيس الأمريكي المنتخب التدابير اللازمة لمنع إيران من تطوير الأسلحة النووية، بما في ذلك الغارات الجوية المحتملة، إذ أفادت الصحيفة الأمريكية يوم الجمعة 13 كانون الأول/ديسمبر أن «خيار الضربة العسكرية ضد المنشآت النووية يخضع الآن لمراجعة أكثر جدية من قبل بعض أعضاء فريق ترامب». لكن من جانب آخر أعرب ترامب عن قلقه من احتمال اندلاع أزمة نووية إيرانية في ولايته الثانية، خلال مكالمة هاتفية أجراها مؤخرا مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وفقا لمصدرين مطلعين على مناقشاتهما، ما يشير إلى أنه يسعى إلى استراتيجيات لمنع مثل هذه النتيجة. كما رفض ترامب في مقابلة أجراها مع مجلة «تايم» الامريكية يوم الخميس 12 ديسمبر عدم استبعاد احتمال اندلاع حرب مع إيران، على الرغم من تصريحات حملته الانتخابية المعارضة لاستخدام القوة للإطاحة بالحكومة الدينية في طهران. وعندما سأله مراسل مجلة «تايم» عن احتمال اندلاع حرب مع إيران، في إشارة إلى مزاعم وكالات إنفاذ القانون الأمريكية بأن إيران سعت إلى اغتياله، رد ترامب: «أي شيء يمكن أن يحدث. إنه وضع متقلب للغاية». أما صحيفة «تايمز أوف إسرائيل»، فقد أشارت إلى أن القوات الجوية الإسرائيلية تزيد من استعداداتها لشن ضربات محتملة على المنشآت النووية الإيرانية.

في ولايته الأولى كانت تصريحات ترامب تؤكد عدم تحبيذه خوض الحروب، بينما صرح مؤخرا باحتمالية لجوئه إلى الحل العسكري لمنع إيران من الوصول إلى عتبة إنتاج السلاح النووي

ويرى عدد من المراقبين أن حكومة نتنياهو قد تستغل الزخم الذي حققته في عدة جبهات، ونتج عنه تدمير قدرات أغلب أذرع إيران في المنطقة، إذ تم إخراج حركة حماس وحزب الله من معادلة الصراع، ثم سقط نظام الأسد في سوريا، وانكفأت الميليشيات العراقية المقربة من طهران على نفسها داخل حدود العراق، ونتيجة كل هذه الظروف يكون، حسب وجهة نظر بعض المراقبين قد حان الأوان لتوجيه ضربة استباقية للمنشآت النووية الإيرانية لتخرجها من تهديد الأمن القومي الإسرائيلي نهائيا. وقد أكد مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، في حديثه في تل أبيب يوم الخميس 12 ديسمبر، موقف واشنطن من إيران. وأكد أن الولايات المتحدة «ستظل يقظة ضد التهديد المستمر من إيران، بما في ذلك تهديد برنامجها النووي». وأشار إلى التزام الحكومة الأمريكية بضمان عدم وصول إيران لامتلاك سلاح نووي إذ قال: «إن الولايات المتحدة الأمريكية لن تسمح لإيران أبدا بالحصول على سلاح نووي». وقال سوليفان: «لقد تغير ميزان القوى في الشرق الأوسط بشكل كبير، وليس بالطريقة التي خطط لها السنوار، أو نصر الله، أو إيران»، مضيفا: «نحن الآن نواجه شرقَ أوسطٍ أعيد تشكيله بشكل كبير حيث أصبحت إسرائيل أقوى، وإيران أضعف، ووكلاؤها تم القضاء عليهم، ووقف إطلاق نار جديد سيستمر في لبنان، وسيضمن أمن إسرائيل على المدى الطويل». ونقلت صحيفة «إسرائيل اليوم» عن أفيغدور ليبرمان زعيم حزب (إسرائيل بيتنا) يوم الجمعة 20 ديسمبر، دعوته لتوجيه «ضربة استباقية لإيران لتدمير منشآتها النووية. وقال ليبرمان في تصريح إعلامي: «علينا توجيه ضربة استباقية لإيران لمنع تعاظم قوتها، ونستطيع تدمير كل المنشآت النووية الإيرانية وحدنا، ويجب ألا ننتظر أكثر». ووفقا له، فإن انتظار شخص آخر لمهاجمة إيران – الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب على سبيل المثال- ليس خطة عمل، وفق ما أوردته الصحيفة الإسرائيلية. بينما أشار تقرير لصحيفة «تايمز أوف إسرائيل» نشر يوم 13 ديسمبر إلى أن الإدارة الأمريكية المقبلة تعمل حاليا على خطة «الضغط الأقصى 2»، لإعادة إطلاق حزم العقوبات على إيران التي نفذتها إدارة ترامب إبان ولايته الأولى، كما أشار باحثون في معهد مكافحة الإرهاب الأمريكي، أن مهاجمة إيران قد تكون في مصلحة إسرائيل، إلا أن حكومة نتنياهو لن تعمل بمفردها، بل تريد أن تبني تحالفاً مع الولايات المتحدة وبريطانيا ودول غربية أخرى، مثل ألمانيا، للقيام بمثل هذه الضربة، معتبرة أن إيران إذا توصلت لامتلاك السلاح النووي فقد تهدد المنطقة بأسرها والمجتمع الدولي. وما قبول إسرائيل بوقف إطلاق النار مع حزب الله في لبنان، إلا كسب للوقت من أجل الاستعداد الإسرائيلي لتنفيذ هذا الهجوم على إيران. وقالت مصادر مطلعة على الخطة الأمريكية للصحيفة الإسرائيلية إن هناك عدة طرق مختلفة يمكن من خلالها استخدام الضغط العسكري لردع طهران. أولا، أن واشنطن قد ترسل المزيد من القوات والسفن والطائرات الحربية إلى المنطقة، في حين تعمل أيضا على تعزيز القدرات الهجومية لإسرائيل عبر بيع القنابل الخارقة للتحصينات، ولكن إذا فشل ذلك، فقد تتخذ الولايات المتحدة موقفا أكثر عدوانية وتهدد باستخدام القوة العسكرية المباشرة.

من الثابت أن إيران لا تمتلك سلاحاً نووياً بعد، ولكنها تدير برنامجاً مدنياً للطاقة الذرية منذ أكثر من خمسة عقود. ويعتقد المحللون أن إيران قادرة على إنتاج ما يكفي من اليورانيوم المخصب والمكونات اللازمة لبناء سلاح نووي في وقت قصير نسبياً. ومع ذلك، لا يعني هذا أن إسرائيل قادرة على ـ أو ينبغي لها ـ استهداف البرنامج النووي الإيراني بالطريقة التي فعلتها مع العراق عام 1981. وفي إطار الاجابة على سؤال مفاده: هل تستطيع إسرائيل تدمير البرنامج النووي الإيراني إذا أرادت ذلك؟ جاءت ردود بعض الخبراء سلبية، إذ أشار جيمس أكتون المدير المشارك لبرنامج السياسة النووية في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، إلى أن الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية قد يعزز عزم إيران على الحصول على سلاح نووي بدلاً من القضاء على قدرتها. كما قال إيال زيسر من جامعة تل أبيب: «إنهم يلعبون، وأنت تلعب. تحاول ألا تتجاوز الخطوط الحمر. لكن عندما يتم تجاوز الخط الأحمر، ستكون هنالك حرب شاملة. يتعين علينا أن نفكر في العواقب التي قد تترتب على ذلك».