الأردن ومحاولات «تقزيم» التحديث …

لا مفر من القول بأن إظهار أي ندم على نزاهة الانتخابات الأخيرة أو على مسار التحديث السياسي برمته سلوك خصامي وضد الدولة.
خصوم التحديث السياسي والعدالة والإنصاف هم أنفسهم في كل المواسم الذين يقترحون تخويف الدولة والناس من نتائج الانتخابات النزيهة.
ويحترفون طوال الوقت مهمة الإقناع بإعادة عقارب الساعة إلى الوراء ويصرون وهم يطلون برأسهم، كلما بدأت البلاد تتجه إلى مسار سياسي مستقر في أزمة الأدوات والتمثيل والتعبير على إعاقة المسيرة مرة تلو الأخرى. وعلى الإيحاء ظلما وبهتانا بأن كلفة الإصلاح السياسي على الدولة أكبر من كلفة بقاء الأمور كما كانت.
أنجزت وثيقة التحديث السياسي وأجريت انتخابات على أساسها وواجب النخب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني ومعها المؤسسات البيروقراطية احترام نتائج هذه الانتخابات وتجنب حرف البوصلة مجددا باتجاه إرهاب الجميع فكريا عبر التنبيه من نمو الإسلام السياسي.
قيمة إظهار الاحترام لنتائج الصندوق هي التي تحمي النظام والقانون وتساهم في تقوية وتصليب الجبهة الداخلية وليس العكس.
لا ينبغي السماح للأذن الوطنية بعد الآن باستراق السمع إلى تلك الهمسات الضارة التي تندد بنتائج الانتخابات أو تزاود على وعي الأردنيين وخياراتهم أو تحاول إقناع دوائر القرار بأن المجتمع الأردني لا يزال بحاجة إلى وصاية الدولة وبأن الديمقراطية المنصفة لا تناسبه.
الأصوات المندسة هنا هي التي تحاول الإنزال خلف خطوط التحديث السياسي ومن يتوجب التشكيك بولائهم وانتمائهم ليس النواب الذين انتخبهم الشعب ولا الناخبين، بل أصحاب الصوت الهامس الشرير الذين يحاولون الآن المساس بقيمة المحطة التي وصلها الأردن بتحديث قوانين الإصلاح السياسي بعد توافقات قل نظيرها.
نقولها بصراحة: المندس الحقيقي ليس من صوت للإسلاميين ولا النائب الذي اختاره شعبه، بل هو السياسي أو البيروقراطي أو الحزبي الذي يخطط ويدبر الآن للتراجع عن مسار التحديث السياسي برمته بدلا من تجويد صناعته وفهم الأسباب الحقيقية الجوهرية العميقة التي أدت إلى إخفاق أحزاب الوسط.

قيمة إظهار الاحترام لنتائج الصندوق هي التي تحمي النظام والقانون وتساهم في تقوية وتصليب الجبهة الداخلية وليس العكس

نقول ذلك ونحن نشعر بتململ بعض القوى والشخصيات التي تحاول إقناع أطراف القرار الآن بأن بقاء نصوص قانون الانتخاب كما هي يعني وضع مجلس النواب في الانتخابات التالية بعد4 سنوات في حضن التيار الإسلامي.
بدلا من الاسترسال في التخويف والتأزيم يمكن العمل على رفع يد الوصاية عن العمل الحزبي ويمكن الإجابة على السؤال التالي: إذا كانت ديمقراطية الصندوق تنتخب الإسلاميين وهم حزب مرخص فما هو مبرر الغمز واللمز؟ لماذا لا نبدأ بتقليد يقضي باحترام نتائج الصندوق؟
بعيدا عن أي مزاودة على أي نخب نحذر من العودة لتسويق فكرة صناعة تحديث سياسي على مقاس أحزاب الولاء فقط حيث لا توجد وصفة في الدنيا للإصلاح السياسي لا تمنح فيها جميع الأحزاب وبدون أي استثناء الحق في الوصول إلى قلوب وعقول الناخبين.
قلناها سابقا ونعيدها: من أراد إعداد طبق العجة عليه أن يكسر بعض البيض.. من أراد التحديث السياسي لا يمكنه إنجازه باستثناء لون سياسي هنا أو هناك لا لأغراض سياسية ولا بيروقراطية ولا أمنية.
لا توجد وصفة لانتخابات هدفها إقصاء التيار الإسلامي ثم الادعاء تمثيلا وتدجيلا بمعيار يمثل الجميع.
نسمع همسا في الأروقة هنا وهناك يحاول وصف الندم على النزاهة في الانتخابات وعلى مسار التحديث السياسي باعتباره وصفة وطنية الآن، ونسمع ما هو أسوأ في عودة التنظير لسيناريو تفصيل ديمقراطية خاصة وبائسة يرث فيها البعض ولا تمثل البعض الآخر.
من الصعب علينا تصديق أن بعض الأصوات النشاز بدأت مبكرا العمل في الاتجاه المضاد لصيغة وثيقة التحديث السياسي بعد عامين من التعب والسهر والعصف الذهني والتوافقات.
ويصعب تصديق أن موظفين هنا أو هناك في الدولة يستطيعون الادعاء بكل وضوح بأن التحديث السياسي ينبغي أن يخضع لمراجعة خوفا من أن ينتهي بزيادة مكاسب مقاعد الإسلاميين.
نشعر بالخجل لأن ذلك نسمعه بعد سلسلة من الوثائق والتصريحات المرجعية التي اعتبرت بمثابة الضامن لمسار التحديث السياسي.
نصفق لبعض أصحاب الرأي الوطنيين الذين يقولون باحترام الإرادة الحرة للشعب الأردني إذا ما قرر التصويت للإسلاميين أو غيرهم.
ونصفق للرأي المنقول في الحالة النقدية العميقة لادعاء الأحزاب الوسطية التي تزعم الولاء وتحتكره فيما لم تصل لعقول وقلوب المواطنين لأسباب يعلمها الجميع .
أخفقت تجربة الحمل الكاذب وخرجت عن السكة عند أول محطة انتخابات نزيهة.
سيناريوهات الأحزاب التي ولدت خارج الرحم وفي الأنابيب وبدلا من الإقرار بأخطاء التدخل والهندسة وبوجود مراكز قوى لا تريد الأحزاب بكل أصنافها يلجأ البعض لوصفة هنا أو نصيحة هناك، عنوانها مجددا شيطنة التيار الإسلامي ومحاولة بيع الوهم للأردنيين بأن نزاهة الانتخابات لا تضمن مصالحهم ولا حقوقهم وبأن الهندسة وتفاعلاتها فقط هي الضامن.
ما تضمنه الهندسة أقل في كل حال من المأمول والمطلوب.

بسام البدارين

إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي»