أ.د رشيد عبّاس يكتب .. نهاية إسرائيل في تمددها وتوسعها الجغرافي ..

نهاية إسرائيل في تمددها وتوسعها الجغرافي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أ.د رشيد عبّاس

هناك حقيقة عالمية مشتركة تؤكد أن (نهاية) كثير من الإمبراطوريات العظيمة عبر التاريخ كانت نتيجة لتمددها وتوسعها الجغرافي, فأعظم خمس إمبراطوريات عرفتها البشرية على مر الزمن اندثرت أو ربما تراجعت نتيجة حتمية لتمددها وتوسعها الجغرافي, وذلك طمعاً في جلب أكبر قدر ممكن من الثروات الطبيعية, وغير الطبيعية في المناطق التي ضمتها إليها هذه الإمبراطوريات.

ومن اجل توضيح الصورة وجلاءها دعونا نتوقف عند بعض من هذه الإمبراطوريات العظيمة, فالإمبراطورية (الفارسية) على سبيل المثال بقيت تتمدد لتطال ثلاث قارات كبيرة, وقد وصلت لأقصى اتساع لها حتى شكّلت أضخم إمبراطورية في التاريخ القديم, وكان لهذا الامتداد وملحقاته الأثرالكبير على عدم القدرة على إدارة شؤون هذه المناطق الجغرافية, الأمر الذي أدى إلى تقهقر وانهيار هذه الإمبراطورية, أما الإمبراطورية(الأموية) فقد زادت مساحة الأراضي التي سيطرت عليها هذه الإمبراطورية, حيث كانت أكبر إمبراطورية حينها في العالم, وهي خامس أكبر امبراطورية متواصلة الأراضي في العالم, إلا أنه كان لهذا الأتساع وما يتعلق به من إدارة شؤون المناطق الأثرالكبير في انهيار هذه الإمبراطورية.

ولمزيد من الأمثلة على اثر اتساع رقعة الأراضيالتي تحاول الإمبراطورية ضمها إليها نجد أن إمبراطورية (المغول) بدأت بالأتساع تدريجياً عبر الغزوات المتواصلة لتصل إلى أقصى اتساع لها إلى أن ما لبثت أن تتجزأ هذه الإمبراطورية وتنقسم إلى عدة أجزاء حتى أستقر بها الأمر إلى التفكك والاندثار بعد أن عجزت عن إدارة شؤون المناطق التابعة لها, ومن جهة أخرى نجد أن إمبراطورية (الروم) اتسمت بالأتساع السريع في الأراضي المسيطر عليها, وقد امتدت زمنياً لتصل إلى أكثر الإمبراطوريات عمراً في التاريخ, وقد نتج عن هذا الأتساع الكبير انقسامات كبيرة, أدت في نهاية المطاف إلى عدم القدرة على إدارة شؤون المناطق عسكرياً واقتصادياً واجتماعياً, والذي نتج عنه سرعةالاندثار والتلاشي.

وهنا لا بد لنا من الوقوف أيضاً عند أكبر إمبراطورية في تاريخ العالم حتى الآن, والتي أطلق عليها الإمبراطورية (البريطانية) والتي لا تغيب عنها الشمس, فقد تربعت هذه الإمبراطورية على أكبر مساحة في التاريخ, ومع حكمها لأكثر من ربع سكان العالم, وقيادتها للتطور العلمي والاقتصادي في التاريخ الحديث, فان سلطتها لم تقف عند حدودها الجغرافية بل امتدت إلى جميع أنحاء العالم, وقد انحصرت وتراجعت في نهاية المطاف, وكان لخسارتها الكبيرة للهند أكبر النكسات التي مرت بها الإمبراطورية البريطانية, فضلاً عن تسليمها لهونغ كونغ إلى جمهورية الصين الشعبية, وقد تراجعت هذه الإمبراطورية في كثير من بقاع العالم وذلك لعدم قدرتها على إدارة الشؤون الاقتصادية والعسكرية لهذه المناطق, وذلك بسبب المساحات الشاسعة التي كانت تسيطر عليها في العالم.

ويبقى التساؤل قائماً هنا: كيف تفكر (إسرائيل)بالتمدد الجغرافي اليوم؟ ثم هل مقومات التمدد متوفرة لديها؟ وهل نهاية إسرائيل في تمددهاوتوسعها الجغرافي؟

كان لتمدد الإمبراطوريات سابقة الذكر مقوماتعسكرية واقتصادية واجتماعية للتوسع الجغرافيالذي حصل لكل إمبراطورية من الإمبراطوريات العالمية, ومع أنها استمرت بالسيطرة لفترات طويلة من الزمن, إلا أنها في نهاية المطاف تقهقرت واندثرت وتلاشت لتراجع مقومات هذه الامبراطوريات في إدارة الشؤون العسكرية والاقتصادية والاجتماعيةمعا لهذه المساحات الكبيرة والواسعة, تلك التي كانت تديرها وتسيطر عليها.    

وفيما يخض إسرائيل:

إسرائيل ليست إمبراطورية باي شكل من الأشكال, وإسرائيل كيان تابع للغرب, وليست دولة مستقلة عن مساعدات الغرب لها عسكرياً واقتصادياً واجتماعياً, بل هي دولة مُتطفّلة تستمد بقاءها من الغرب, وأن تفكيرها بالتوسع تفكير عدميًّ ليس فيه أي منطق عقلي أو قانوني, وليس له أي مقومات عسكرية أو اقتصادية أو حتى اجتماعية, وأن نهاية إسرائيليكمن في تمددها وتوسعها الجغرافي, فهي قاصرة عن التمدد والتوسع الجغرافي لأكثر من سبب, ولعل من أبرز هذه الأسباب هو أن التوسع الجغرافييتطلب مقومات عسكرية واقتصادية واجتماعية لإدارة شؤون أي بقعة جغرافية إضافية جديدة, وأكثر من ذلك إسرائيل ليس بوسعها فتح أبواب التطبيع مع جميع دول الجوار على مصرعيها, لأن فتح أبواب التطبيع مع جميع دول الجوار على مصرعيها سيؤدي إلى اختراقات عسكرياً واقتصادياًواجتماعياً بالنسبة لها, الأمر سيؤدي إلى تقهقرهاوتلاشيها لاحقاً, وهذا ما يخشاه بعض الساسة المفكرين الإسرائيليين. 

أعتقد جازماً أن (مقومات) تمدد وأتساع إسرائيل غير متوفرة لديها على الإطلاق,  وأن نهاية إسرائيليكمن فيما إذا فكرت في تمددها وتوسعهاالجغرافي أولاً, ثم في فتح أبواب التطبيع علىمصرعيها ثانياً, لأن ضريبة هذه الخطوات باهظة الثمن على الصعيد المادي والمعنوي عسكرياًواقتصادياً واجتماعياً بالنسبة لهذا الكيان الطارئ على المنطقة.

 وبعد..

هذا يدعونا أيضاً لفتح اسئلة مشابهة جديدة بالنسبة (لإيران) في قادم الأيام.