عودة ترامب والأيام المفصلية في غزة وفي لبنان

الأيام التي باتت تفصلنا عن موعد رجعة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض بعدد أصابع اليد. مع هذا، تبدو هذه المساحة الضيقة جدا من الوقت مفصلية، ومربكة، على مستوى أكثر من قضية وملف عبر العالم. فالحديث عاد وارتفع بشكل ملحوظ حول صفقة مرتقبة لوقف حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة. هذا في وقت لا تزال فيه المجازر مستمرة ضد المدنيين الفلسطينيين. تقدير ما حققته إسرائيل وما فشلت في تحقيقه بعد 467 يوما من الحرب التدميرية المتواصلة سيتضح أكثر في اليوم التالي على إذاعة الصفقة ودخولها حيز التنفيذ. العمل جار على إتمام الصفقة قبل وصول ترامب إلى الرئاسة، وما يعنيه ذلك من انتظار طرحه لطبعة جديدة ومزيدة من «صفقة القرن». في هذا الوقت من شأن إتمام الصفقة وضع حكومة بنيامين نتنياهو أمام كباش جديد في الداخل الإسرائيلي، بين المزايدين عليه من على يمينه، ومن المنتقدين له من على يساره بأنه كان بإمكانه توفير أشهر من القتال طويلة، من خلال التوصل إلى صيغة الصفقة نفسها.

أما في لبنان، فقد جاء وقع تكليف القاضي نواف سلام صادماً بالنسبة إلى حزب الله، الذي عد هذا التكليف لرئيس محكمة العدل الدولية استبعاداً وإقصاء له، في وقت جاء كلام سلام حال عودته إلى بيروت أمس منفتحاً على جميع الفرقاء، ومتصفاً بالهم الوطني الجامع. لكن السؤال الذي يطرح نفسه في الأيام التي تفصلنا عن عودة ترامب رئيساً للمرة الثانية هو عن كيفية إنجاز هدفي اتفاق وقف إطلاق النار المبرم قبل أقل من شهرين بين إسرائيل ولبنان – حزب الله؛ أي انسحاب الأولى من القرى التي تحتلها جنوب لبنان وتسليم الثاني أسلحته في مقابل انتشار الجيش الوطني جنوب نهر الليطاني. هل ما زال ممكنا إنجاز كلا الأمرين قبل انتهاء مدة الهدنة، وهل يكون تجديدها تلقائيا، أم يتطلب ترتيبات جديدة وبالتالي تحديات جديدة على السلطة المتشكلة حديثا في لبنان؟ في الوضع الداخلي لهذا البلد ما يبعث على التفاؤل إنما العراقيل المقدرة ليست قليلة. يزيد الطين بلة أن حزب الله لم يقدم بعد على مكاشفة منهجية أمام جمهوره لحصيلة الحرب الأخيرة، وأين أخفق في التقدير أو في استيعاب حدّة وسعة المواجهة ولماذا؟

لقد تسارعت الأحداث بشكل غير مسبوق في المنطقة، وبخاصة في لبنان وسوريا، في الأشهر الأخيرة، وعلى محك الانتخابات الرئاسية الأمريكية ثم ظهور نتائجها لصالح المرشح الجمهوري الشعبوي. وسواء كان ترامب بالفعل «رجل الصفقات» أو رجل التصعيد بوجه إيران في الشرق الأوسط، أو رجل الانفراج على الصعيد العالمي، من بوابة روسيا، يبقى أن السوريين واللبنانيين والفلسطينيين يواجهون في هذه اللحظة تحديا مشتركاً بالقدرة على الاستمرار، والمثابرة على الوجود. إنما لا يتم تقييم هذا التحدي في الإطار نفسه عند كل من هذه الشعوب. فالأوضاع والظروف مختلفة. لكن هذه الشعوب الثلاثة تعبت من بازار لا يعرف كيف ينتهي بين استبداد يطل بألف رأس، وبين استعمار لا يكاد يسحب وجهاً من وجوهه حتى يعود بوجه جديد. يبقى المعيار الأول هو الحفاظ على الإنسان في هذه المجتمعات، وقف قتله، وتحريره من خطر الموت غيلة في أي لحظة، وفي أي وقت.