الصبيحي تكتب : الوجه الآخر للإعلام

كتب- نسرين الصبيحي 

التطور الكبير الذي طرأ على الإعلام تحديدا في ظل التطور التكنولوجي حمل معه ايجابيات كبيرة خاصة فيما يتعلق بالقدرة على نقل المعلومة وسرعتها وحق الحصول عليها، وهو ما جعلنا أكثر معرفة الا أنه ترافق معه أيضا جملة من التحديات والمخاطر التي تستدعي الوقوف عليها والتصدي لها، ليس فقط لأنها تخرج الإعلام من سياقه المهني والإعلامي، بل لأن تلك التحديات والمخاطر والسلبيات تؤثر بشكل عميق على المجتمعات وسلامتها ومستقبلها.

يمكن لخطأ طبي أن يقتل فردا، ويمكن لخطأ هندسي ما أن يعرض حياة مجموعة من الأفراد للخطر، الا أن خطأً اعلاميا فادحا مقصودا أو غير مقصود يمكن له أن يقتل مجتمعا بأكمله ويهدد مصير دول ويعبث بمستقبل أجيال، تلك المقاربة تتجلى أشكالها فيما يحدث من فوضى اعلامية لا سيما مع ثورة وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تسيطر المعلومات المضللة والخاطئة على الخطاب العام والمحتوى المقدم للناس، ويلعب مفهوم ترتيب الأولويات دورا حاسما في تحديد أنماط الوعي والسلوك لدى الناس،والأمثلة كثيرة على مواد اعلامية قدمت على أنها معلومات صحيحة وتفاعل معها الرأي العام ليتبين لاحقا لا أساس لها من الصحة وتسببت في فوضى كبيرة وانقسامات وتحديد مواقف جميعها خاطئة.

الأخطر من ذلك يكمن حين يصبح الإعلام قاتلا خفيا، مع سبق واصرار وترصد، تاركا خلفه قيَمه ورسالته النبيلة وأخلاقيات المهنة، ليتحول إلى أداة فتاكة ترتبط بأيدولجيا أو شبكة مصالح وتخدم أجندات معينة، والحديث هنا بوضوح عن وسائل إعلام وأعلاميين ومحتوى يعملون بشكل ديناميكي على تفتيت المجتمع وتهديد السلم الأهلي، أو الترويج لخطاب وأشخاص ومعتقدات تتعارض والمصلحة العامة، أو تبث أفكارا مغشوشة تهدف الى دفع المجتمعات نحو مزيد من الانقسام والتناحر والخلافات الحادة، لقد شاهدنا خلال الفترة الأخيرة كيف عملت مؤسسات اعلامية على تشويه صورة الأردن تجاه ما يقدمه لغزة وأهلها منذ عام ونصف العام تقريبا، والتشكيك بدوره الإنساني والقومي، كما شاهدنا حملات تحريض طالت الأردن قيادة وشعبا، ناهيك عن ترويج لممارسات وأفكار لا غاية لها سوى أن تضرب سلامة المجتمع الأردني ووحدته الوطنية، وأيضا مساعي إعلامية تسعى لتذويب إرث وتاريخ وهوية مجتمع بأكمله لصالح مشاريع سياسية ترى في الأردن حلا لقضايا عالقة أو بديلا لها.

‎بهذا كله يتضح الوجه الآخر للإعلام ويصبح قاتلا ناعما، وهو ما يستوجب بالضرورة مواجهة كل ذلك عبر تحصين الإعلام مؤسسات وأفراد، وبناء خطاب إعلامي حقيقي وطني قادر على كسب التأييد المجتمعي، يعمل ضمن مصالح الأردن ولا يحيد عنها ويلتزم بأخلاقيات المهنة ولا ينجر وراء مصالح ضيقة ومشاريع خارجة عن الأردن وقيادته وشعبه