هل وصل اقتصاد لبنان إلى الانهيار؟

يثار جدل واسع عن حقيقة الوضع المالي في لبنان في ظل استمرار الاحتجاجات المطالبة بإسقاط النظام وإحداث تعديلات جوهرية في البنية السياسية اللبنانية على قاعدة وطنية غير مذهبية.
وفي الوقت الذي يحذر مراقبون من خطورة الوضع الاقتصادي والمالي، يواصل مصرف لبنان حديثه عن استقرار نقدي لدى المصارف نافيا أي انهيار وشيك قد يفاجئ اللبنانيين الذين يكابدون أصلا ظروفا معيشية طاحنة بفعل أزمات العمل والنفايات والكهرباء وغيرها، بيد أن استقالة الحكومة والتخوفات من مسار طويل للتأليف وسط العراقيل المتوقعة يدفع بالتساؤل عن قدرة بلد ينخره الفساد- كما يردد خبراء اقتصاديون- على الصمود كثيرا في وجه أزمات حادة اقتصادية ومالية.
ونفى الخبير الاقتصادي الدكتور لويس حبيقة وصول لبنان إلى مرحلة الانهيار، وقال إن "الحديث عن انهيار بلغة الاقتصاد له مدلوله الدقيق، كما أن التوصيف لاينطبق على الوضع الحالي في لبنان"، وفقا لصحيفة "عربي21".
 
وأوضح حبيقة أن "الانهيار الاقتصادي هو شبيه بما حصل في الولايات المتحدة عام 1928، علما أن الأزمة الاقتصادية عام 2008 لم ترق إلى درجة انهيار مالي بالمفهوم الاقتصادي".   
وأوضح أن مؤشرات الانهيار تبدأ من هبوط حاد في الناتح المحلي بنسبة تتجاوز 10 بالمئة، وهذا ما لاينطبق على لبنان إذ أن توقعات نسبة النمو تشير إلى نصف بالمئة وفي أسوأ الأحوال إلى صفر دون أن تشير التوقعات إلى إمكانية حدوث هبوط حاد".
وأثنى حبيقة على التظاهرات الاحتجاجية ورسالتها الحضارية في مختلف المناطق، قائلا: "شكلت هذه الحراكات عاملا إيجابيا وفتحت نافذة على التغيير ومكافحة الفساد والإصلاحات الجذرية في البنية السياسية والاقتصادية".
 
ولفت الى أن "الحلول العلاجية للأزمة متوفرة من خلال إصلاح الخلل في الإدارة السيئة التي ما زالت مستمرة في أدائها السلبي لغاية اللحظة، ويبقى الأمل في حصول تغيير حقيقي على الرغم من أن فرص نجاحه ضئيلة في ظل تمسك السياسيين بمنافعهم ومكتسباتهم".  
ونوه إلى أن "الكثيرين يهدفون من دخول معترك السياسة إلى تحقيق منافع واكتساب أوراق قوة وغطاءات لأعمالهم الخاصة"، لكنه رأى أن "التغيير المتدحرج يجب أن يكون أولوية بانتظار تنقية الطبقة السياسية من الفساد والمفسدين، وهذا يتطلب تضحيات من قبل اللبنانيين كما حصل في مختلف البلدان التي شهدت ثورات".
 
وبين أن "توقف الأعمال وتعطيل المؤسسات له انعكاسات سلبية على المتظاهرين أنفسهم غير أنه ضرورة تحتمها الثورة التي يخوضها اللبنانيون سعيا إلى غد أفضل".
 
ووصف الوضع التجاري بأنه "مشلول في فترة تسبق الأعياد (الميلاد ورأس السنة عند الطوائف المسيحية) والتي كانت في سنوات سابقة مناسبة لتنشيط الوضع الاقتصادي والتجاري في البلاد".   
بدوره، رأى النائب السابق عن تيار المستقبل نضال طعمه أن استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري أحدثت إرباكا في الساحة اللبنانية بما قد يحدث صدمة إيجابية خلال المناخ الترقبي وسمته الأساسية الحذر من تحولات مصيرية قد تشهدها البلاد".
 
واعتبر أن "تريث رئيس الجمهورية ميشال عون في الدعوة إلى الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس للحكومة الجديدة يعود إلى محاولة جمع أوراق قوة عنوانها الشارع المؤيد له وهذا ما يتضح من التظاهرات الداعمة له والتي شهدها القصر الجمهوري في بعبدا الأحد"، وفقا لصحيفة "عربي21".  
وانتقد طعمة خيارات عون الأخيرة، وقال: "أعتب على رئيس البلاد لأنه يعول على جمهوره لغايات تفاوضية في الوقت الذي يفترض أن يكون فيه رئيسا لكل لبنان بمعزل عن الانتماءات والولاءات السياسية أو المذهبية"، لافتا إلى أن "الحراك الشعبي الأخير فرض نفسه من خلال شعاراته التي تدعو إلى تشكيل حكومة من اختصاصيين أو ما يتم تداوله بحكومة تكنوفراط لا تضم أي طرف سياسي، مع الإشارة إلى وجود رؤية جامعة تلتقي على ضرورة أن يترأس الحريري الحكومة المقبلة بمعزل عن شكلها لما يقتضيه هذا لظرف الصعب والدقيق الذي يمر به لبنان".
ولفت طعمة إلى وجود تسريبات تكشف عن رفض أفرقاء سياسيين لتشكيل حكومة تكنوقراط مع إصرارهم على حكومة سياسية، لأنهم يعتبرون أن تشكيل الحريري حكومة تكنوقراط يكون بذلك انتصر في هذه المرحلة على حساب خسارتهم لمواقعهم وامتيازاتهم".
 
كما دعا إلى "ضرورة تخلي الطبقة السياسية عن المصالح الخاصة وروح التفرد التي قد تفتك بالبلاد".
وعن حقيقية الوضع الاقتصادي وتفاقمه في ظل استمرار الأزمة الداخلية، قال: "لم نصل بعد إلى حافة الانهيار على الرغم من بروز الأزمات المتعددة على المستويين الاقتصادي والمالي، لكن ما يدلي به مصرف لبنان من معطيات يطمئن بأننا لم ندخل إلى مرحلة يائسة أو بالغة الخطورة"، مشددا على ضرورة "الانطلاق في الورقة الإصلاحية التي أعلنها الرئيس الحريري قبل استقالة الحكومة، علما أن المواقف الدولية لاسيما الأوروبية تذهب في هذا الاتجاه مع دعوتهم للإسراع في تشكيل حكومة حتى تدفع بالإصلاحات إلى مربع التنفيذ".
وأكد طعمة أن "محاربة الفساد يجب أن تكون منطلقا لأي معالجات، بناء على ما ينادي به الشعب الذي خرج يطالب بالتغيير في الساحات والميادين".